208

وعلى الثالث : أن المثل هو المساوي في الماهية ، ولا يجب المساواة في جميع الصفات ، فلا يلزم أنه لو اعيد مثله لما بقي الامتياز ، فإن الامتياز متحقق بين زيد وعمرو مع تحقق المماثلة بينهما ، والتماثل من جميع الوجوه ممتنع.

قال : قال بعض من منع أن هذه الوجوه تنبيهية لا استدلالية فلا يرد عليها ما ذكروه ، فإن الحكم بامتناع إعادة المعدوم من الأحكام الضرورية ، فإن من عدمت هويته بالكلية لا يصح اتصافه بشيء من الصفات الضرورية ، والعود صفة ضرورية ثبوتية لا حقة له ، فلا يصح ثبوتها لمن لا هوية له قطعا.

واعترض عليه بأن تجويز نقيضه يمنع من كونه ضروريا ، فإن الشيء مع جواز النقيض لا يصح أن يكون ضروريا.

وحقق آخرون هذه الدعوى ، فقالوا : إن المعدوم لا يعاد مع جميع عوارضه ، فلعل أحدا لا يخالفه ، فإن بعض من جوز إعادته ذهب إلى أن بعض العوارض لا مدخل له في هوية الشخص ، كالقدر المعين والوقت المعين والوضع المعين وأمثال هذه ، وقد صرحوا بأن الشخص بعد البعث يكون على وصف آخر ، فيرتفع النزاع من البين ، وصح دعواهم تجويز العود مع بعض العوارض ، ودعوى منعه ، لأن المراد بجميع العوارض.

أقول : هذا صلح بين الفريقين ، ودفع للتنازع الواقع بين القوم في منع إعادة المعدوم وجوازه ، فإن القائل بمنعه إنما منعه على تقدير أخذ جميع العوارض والمشخصات معه ، ومعلوم أن إعادته على هذا النوع من الإعادة ممتنع ، والقائل بجوازه إنما جوزه على تقدير أخذه من حيث الهوية الذاتية ، وان اختلفت العوارض ، فيرتفع النزاع من البين ، وهو ظاهر. فإن من منع إعادة المعدوم مطلقا يكون مخالفا لمقتضى البديهة ، وكذلك من جوزه بجميع أحواله وعوارضه ، إذ العقل الصريح يمنعه ، لاستحالة إعادة الأعراض والصفات والعوارض اللاحقة الاعتبارية ، بل والصفات الحقيقية. فالنزاع بين الفريقين حينئذ لا طائل تحته ، لأنه نزاع لا محصول له. انتهى كلامه. (1)

Page 257