97

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Genres

في حين يرى رشيد الغنوشي أن «العلمانية انتهت إلى عملية تصحر إنساني تحول المجتمع البشري في نهايتها إلى مجتمع ذئاب (...) [وأن] فكرة العلمانية في المحصلة النهائية ضد المجتمع المدني، بل هي موت الإنسان، لأنها ضد الغيرية، بينما المدنية هي الغيرية، هي الإيثار هي ثمرة لتصعيد الدوافع والاستعلاء الروحي والخلقي والجمالي.»

130

يضيف: «لقد حررت العلمانية العقل الغربي إلى حد كبير من الأساطير والأوهام ومن تسلط الكنيسة ودكتاتورية الإقطاع، وأعادت للنشاط الدنيوي اعتباره، ونادت بالإنسان مركزا للكون والسيادة الشعبية، وأسست للحداثة بما هي تطور للعلوم والتقنيات، وتسخير للطبيعة وإعادة تنظيم المجتمع على أسس عقلية، غير أنها اقترنت بسلبيات أخرى مثل المركزية الغربية ومركزية الدولة واختزال الإنسان في بعد واحد، ولكننا كمسلمين لا نحتاج لهذه العلمانية من أجل تحرر العقول والمجتمعات من الأوهام والتسلط وتقدم العلوم والتقنيات، ففي الإسلام ما يغني عنها وفي شكل أعمق وأوسع.»

131

ونختم جملة هذه المواقف بموقف فلسفي في غاية الدقة المنهجية والعلمية، إنه موقف سيد نقيب محمد العطاس في دراسته الموسومة ب «مداخلات فلسفية في الإسلام والعلمانية» وهي دراسة ذات عمق منهجي مقارن بين مرجعيتين حضاريتين: المرجعية الغربية وخلاصاتها الفكرية، والمنهجية، وفلسفتها الوجودية، وبين المرجعية الإسلامية وما أنتجته من رؤى حول العالم، ومنظومات قيمية، ينفي فيها أن تكون المنهجية الغربية قادرة على حل المشكلات الإنسانية بالعمق الفلسفي العلماني نفسه الذي أنتجته، يقول: «ونحن لا نعتقد أبدا أن هذه المزاعم الخاصة بالعلمنة وما يتعلق بتجربة الإنسان الغربي ووعيه ومعتقداته، يمكن أن تكون ممثلة لأوضاعنا أو أن تنطبق عليها؛ ذلك لأن العلمنة التي تتضح حقيقتها جلية عندنا تستخدم في وصف الإنسان الغربي وثقافته وحضارته لا يمكن القبول بصحتها إذا أريد لها أن تكون وصفا لما يحدث في العالم أجمع وللإنسانية كلها (...) إن الإسلام يرفض أن تطبق عليه مفاهيم علماني وعلمنة وعلمانية؛ لأن هذه المفاهيم غريبة عنه، ولا تنطبق عليه البتة. إن هذه المفاهيم تنتمي إلى التاريخ الفكري الأوروبي وهي نتاج طبيعي للتجربة الدينية والوعي الديني للإنسان الغربي.»

132

وهكذا «تتأكد وجاهة اعتراضنا بأن المرجعيات التي أقام عليها الغربيون فهمهم وتفسيرهم لشئون الحياة والوجود الإنسانيين لا معول عليها، ولا يمكن قبولها وخاصة ما دام الأمر يتعلق بالدين.»

133

ومن أجل ذلك يدعو العطاس إلى تحرير المنهجية المعرفة الإسلامية والإنسانية من تأثيرات المرجعية الغربية العلمانية، ومن مفاهيمها، وخلفياتها. يقول: «لقد واجهت الإنسانية في مسيرتها المضطربة عبر الأجيال تحديات عديدة، إلا أنه لم يكن منها ما هو أكثر خطورة على الإنسان وهدما لحياته من التحدي الذي تمثله الحضارة الغربية. إني لأجازف بالقول إن التحدي الأكبر الذي يخترق وجودنا في هذا العصر إنما هو تحدي المعرفة، ولكن ليست المعرفة في مقابل الجهل وإنما المعرفة كما تم فهمها وتصورها ونشرها في العالم بواسطة الحضارة الغربية. إنها المعرفة التي أصبحت هي نفسها مسألة مشكلة، إذ إنها قد فقدت غايتها الحقيقية بسبب تصورها غير القويم، بحيث إنها جلبت الفوضى والاضطراب في حياة الإنسان بدل أن تكون سبب أمن وسلام وعدل (...) إنها معرفة جلبت - لأول مرة في التاريخ - الفوضى والاضطراب في مملكات الطبيعة الثلاث، أعني مملكات الحيوان والنبات والجماد»

134

Unknown page