Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
71
فينتهي بنا التحليل إلى أسئلة غير مألوفة في تاريخ التقديس العربي وغير مفكر فيها. (ب) المنهجية التفكيكية
يفسر هاشم صالح هذه الآلية المنهجية بأنها «تعرية آليات الفكر الذي ولد النظريات المختلفة والتشكيلات الأيديولوجية المتنوعة والتركيبة الخيالية والأنظمة الإيمانية والمعرفية، وكل ذلك من أجل نزع البداهة عنها وتبيان منشئها وتاريخيتها وبالتالي نسبيتها.»
72
فالانفتاح على الحداثة ونتائجها وعقلانيتها لن يتم بشكل جيد وفعلي ودائم وناجح إلا بتفكيك مفهوم الدوغمائية والأرثوذكسية الملازمتين للتراث العربي الإسلامي، فالتزام هذه المنهجية من شأنه أن يفتح سراديب في هذا الفكر كانت مغلقة منذ القرن الرابع الهجري ويؤهله للانفتاح على منجزات الحداثة، فمرحلة التفكيك عنده «مرحلة استكشافية داخلية للتراث لم يسبق لها مثيل».
73
ومن خلال هذه المنهجية - يقول هاشم صالح - استطاع أركون أن يحدث زحزحات عديدة لا زحزحة واحدة، داخل ساحة الفكر الإسلامي العربي، خلخلة وزحزحة الأسس والمنطلقات والتصورات الراسخة في الذهنية الإسلامية من أن الإسلام لا يفصل بين الروحي والزمني. وأثبت بجهده الخاص، ومن خلال هذه المنهجية، ضعف هذه الاعتقادات، وزحزحة للذهنية الاستشراقية التي اعتمدت المقولات نفسها في دراسة التراث العربي الإسلامي، متأثرا بأعمال هايدغر ودريدا رائدي المدرسة التفكيكية، لكن دون أن يقدم براهين على ضعف هذه الاعتقادات. (ج) المنهجية الأركيولوجية
لا تؤدي التفكيكية أدوارها إلا من خلال تعزيزها بالمنهجية الحفرية الأثرية للوصول إلى الحدث التأسيسي الأول للعقل الإسلامي ف «النص القرآني قد ولد عشرات التفاسير والأدبيات التأويلية منذ ظهوره وحتى اليوم (...) وتراكم التأويلات يشبه تراكم الطبقات الجيولوجية للأرض فوق بعضها البعض، فنحن لا نستطيع أن نتوصل إلى الحدث التدشيني الأول لهذا العقل في طراوته وطزاجته الأولية، إلا إذا اخترقنا كل الطبقات الجيولوجية المتراصة، وكل الأدبيات التفسيرية التي تحجبه عن أنظارنا.»
74
وهي المنهجية ذاتها التي شغلها ميشيل فوكو من خلال كتابه: «في الكلمات والأشياء» (1966م) وأركيولوجيا المعرفة (1969م)، والضجة التي أحدثها في أوروبا ضد المنهجية التقليدية الديكارتية، فسار أركون في المسار ذاته، مع تعديلات واختلاف في الموضوع، لكن دون إجراءات نقدية صارمة فتركها مائعة، كما تأثر بمؤسس مدرسة الحوليات الفرنسي لوسيان فيفر، الذي يعتبره إحدى الحلقات الكبرى التي فتحت الطريق أمامه على صعيد المنهج، واعتبر مدرسته ومنهجه بمثابة الصاعقة أو الوحي الذي نزل عليه، يقول: «ولولا مجيء لوسيان فيفر من باريس وإلقائه لتلك المحاضرة العصماء وحضوري إياها بطريقة تشبه الصدفة لربما بقيت نائما كغيري دون أن أحس بشيء.»
Unknown page