Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
وتتحول إلى نسق مغلق غير منفتح على المفاهيم الأخرى، وتدخل معها في تصادم؛ تصادم هوية المفاهيم المنقولة الخارجية مع هوية المفاهيم الأصلية الداخلية.
وهو ما تفسره تلك الثنائيات المتناقضة في الفكر العربي المعاصر، ثنائيات تعبر عن أزمة الهوية والأسس والمرجعيات داخل هذا الفكر، لهذا فإن «عملية اقتباس المفاهيم الغربية ليست مجرد ترجمة لغوية بسيطة، وساذجة لكلمات ومفردات ذات دلالات واضحة، بل هي علمية معقدة يجب أن تخضع لتحليل نقدي تفكيكي يفصل بين المفهوم وأبعاده الفلسفية العميقة المرتبطة بمنظومات فكرية وعقدية وثقافية شاملة تعكس في جوهرها التصورات (السائدة في المجتمع الغربي حول الكون والإنسان والحياة) المغايرة لما هو سائد في المجتمعات العربية الإسلامية.»
175
لقد ظلت هذه المنهجيات تعبر عن طموحات خارج طموحات الأمة، ومجسدة لأزمة الانتماء الحضاري، ومشوشة على المشاريع التي طرحت في الساحة الفكرية العربية، فكانت الخلاصة التي انتهى إليها مالك بن نبي أنه عندما «يسيطر التشويش وانعدام التماسك على عالم الأفكار تظهر علاماتهما في أبسط الأعمال»،
176
فيسود الاضطراب المنهجي والفوضى المفهومية، وتتعطل الأعمال الكبرى.
ونختم هذه الملاحظات بما أثير حول النقد الإبستيمولوجي عند الجابري، لكن هذه المرة من داخل شاكلة ثقافية وفكرية تنتمي إلى تيارات مختلفة من المغاربة بالتحديد، زملاء للجابري، الأمر يتعلق بمحمد وقيدي وكمال عبد اللطيف ونور الدين أفاية وسعيد بن سعيد، خلال الندوة التي نظمتها مجلة الوحدة ونشرتها في العدد المزدوج 26-27 سنة 1986م تحت عنوان «العقلانية والمشروع العربي: نقد العقل العربي في مشروع الجابري». (4-2) على مستوى الاختيار الإبستيمولوجي
فمن الملاحظات المسجلة على مشروعه ما قدمه محمد وقيدي حول تعاطيه مع مفهوم الإبستيمولوجية داخل هذا المشروع، فيرى أن الجابري لم يوظفها بمفهومها المعاصر بقدر ما اكتفى بطابعها الحديث، يقول: «إن تطور الإبستيمولوجيا في مشروع الجابري لا تحضر كإبستيمولوجيا، وإنما تختزل قبل أن تحضر، تختزل في مجموعة من المفاهيم التي أخذها عن باشلار أو عن بياجي أو عن غيرهما وهي مجموعة محدودة من المفاهيم، وبعد هذه المرحلة أصبحنا نجد أن الاهتمامات بالإبستيمولوجيا بدأت تتضاءل في قوتها بالنسبة للجابري، وأصبحت الاهتمامات بالتراث هي الطاغية، بقدر ما اتسعت دائرة الاهتمامات التراثية ضاقت دائرة الاهتمامات الإبستيمولوجية، وأصبحت هذه الاهتمامات ملخصة في جملة من المفاهيم.»
177
ويتساءل وقيدي بعد هذه الملاحظة عن درجة الانسجام بين مفاهيم الإبستيمولوجية، والمفاهيم الأخرى المختلفة الأصول، والقيمة المعرفية التي استند إليها الجابري في مشروعه، وإلى أي حد يمكن القول إن أصول هذه المناهج اختفت، وأخذت مكانها ضمن بنية منهج جديد داخل هذا المشروع.
Unknown page