140

Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir

المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي

Genres

في سبيل استكمال البناء، يطرح المسيري إشكالية المصطلح والتحيز، فبناء النماذج المعرفية والآليات التحليلية يفرض إدراك هذا التحيز المصطلحي، بمعنى أن ثمة اختلافات جوهرية تحددها اللغة الإنسانية، إذ لا توجد «لغة إنسانية واحدة تحتوي كل المفردات الممكنة للتعبير عن الواقع بكل مكوناته، أي لا بد من الاختيار، وكل لغة مرتبطة إلى حد كبير ببيئتها الحضارية وأكثر كفاءة في التعبير عنها.»

78

ويدرك المسيري أهمية المعجم العربي في توليد المفاهيم وبناء النموذج المعرفي، لأن اللغة مرتبطة بحضارتها، فلا يمكن أن تنتج بلغة غيرنا ومفاهيمها، فجهاز مفاهيمنا ينبغي توليده وبالضرورة من هذه اللغة المتجذرة تاريخيا وحضاريا، فمعظم المصطلحات التي نستخدمها في العلوم الإنسانية تم استيرادها من الغرب «بأمانة وموضوعية دون إدراك للمفاهيم المتحيزة، ولهذا فقد الإنسان العربي القدرة على تسمية الأشياء، ومن لا يسمي الأشياء يفقد السيطرة على الواقع والمقدرة على التعامل معه بكفاءة».

79

والتحيز في المصطلح - كما يرى المسيري - تحيز مزدوج، تحيز سياقه، وتحيز من صاغه. ولهذا فإن «المصطلحات التي نستوردها تم سكها في العالم الغربي بعناية بالغة تنبع من تجارب تاريخية ونماذج تحليلية ورؤى معرفية ووجهات نظر غربية (...) ومرتبطة بسياقها الحضاري الذي نشأت فيه .»

80

ويدعو إلى تنقية المعجم المصطلحي والمفهومي المتداول منذ القرن التاسع عشر وإنشاء، وتوليد مفاهيم بديلة تعبر عن حقيقة الرؤى التي نحملها ونبشر بها وتحررنا من تحيزات الحضارة الغربية .

أما منهجية بناء هذه المفاهيم وتوليدها فتبدأ عنده بالدعوة إلى إلغاء الاعتماد على الترجمة للأسماء والأشياء ومعانيها، والنظر إلى الظاهرة في سياقها، بحيث تتم دراسة المصطلح الغربي الذي يشير إليها في سياقه الأصلي دراسة جيدة، والتعرف على مدلولاته، ومحاولة توليد المصطلح من داخل المعجم العربي، بحيث لا يكون ترجمة حرفية

81

دون أن يعني ذلك انغلاقا على الذات؛ لأن «الانفتاح الحقيقي هو عملية تفاعل مع الآخر نأخذ منه ونعطي ونبدع من خلال معجمنا؛ لأن الإبداع من خلال معجم الآخر مستحيل.»

Unknown page