Manhaj Fi Fikr Carabi Mucasir
المنهج في الفكر العربي المعاصر: من فوضى التأسيس إلى الانتظام المنهجي
Genres
وهو من المفاهيم الإبداعية في منهجية طه، كما كانت اللغة العربية المرجعية الأم في اصطناع أدوات بحثه العلمية. يقول: «لقد غلب على الباحثين العرب في وضع مصطلحاتهم العلمية وبناء أجهزتهم الوصفية التفسيرية، الاشتغال بقوالب اللغة الأجنبية: الفرنسية والإنجليزية، فلا نكاد نجد عند معظمهم من المعاني العلمية إلا ما كان نقلا حرفيا لمصطلحات أجنبية من غير وعي بأصول بعضها النسبية، وفائدتها المحدودة. وبلغ سلطان هذه المعايير على هؤلاء درجة أصبحت معها ألفاظهم «أشكالا» منقطعة الصلة بدلالاتها اللغوية، وفاقدة لأسباب الإنتاج والتعبير في الفكر العلمي.»
6
فهذه الغلبة في المصطلح والتداول لم تغن الأمة ولم تحقق لها وظائفها. وسعيا في تحقيق الاستقلال عن المعايير الأجنبية وطرد هذا الاحتلال المفاهيمي في إنتاج المعرفة يقول طه عبد الرحمن: «اجتهدنا قدر المستطاع في الأخذ بأسباب اللغة العربية في التعبير والتبليغ، ووظائفها في التنظير (...) وتمهيد الطريق لممارسة علمية باللسان العربي في ميدان تحليل الخطاب.»
7
أما المرجعية الثانية التي اعتمدها فهي المنطق، فقد تدققت وسائله وتشعبت أبوابه وتعددت مستوياته واتسع مجاله، فاستعانت به مختلف العلوم في ضبط مناهجها وتنسيق نتائجها، واستفادت منه العلوم الإنسانية على الخصوص طرقا في البحث الدقيق والوصف المحكم. على ضوء هذه المرجعيات أنتج طه عبد الرحمن صيغا مفاهيمية وجهت مشروعه الفكري والمنهجي، وأغنت الحقل المعرفي العربي الإسلامي المعاصر، وأعادت له معماريته الفنية والجمالية.
لم تساهم الدراسات التغريبية في نظره إلا في إفقار الإنسان العربي المسلم من خلال إغراقه بمفاهيم إسقاطية، وتقليد لأهلها، فكل الدعوات التي شهدتها الساحة الفكرية العربية لم تساهم إلا في تكريس هذا الإفقار من خلال التقليد بدل الإبداع، أما «الواجب في دعوة التجديد الصحيحة هو أن تغني العربي أو المسلم، لا أن تفقرهما، ولا سبيل إلى تحقيق هذا الغنى لهما إلا بأن نترك محاكاة أصحاب هذا التقرير فيما يعتقدون ويفكرون ويقولون.»
8
كما كان للمنهجية الأصولية حضور متميز نظرا لما تتميز به من قوة في بناء الاعتراضات وردها، وصياغة الإشكالات، حيث اعتبرها هي العطاء المنطقي الإسلامي غير «الأرسطي» البارز في عموم التراث الإسلامي.
أما الاعتبار الثاني: أن هذه المنهجية أسهمت في دراسة الظاهرة الخطابية بما يثير الإعجاب، وضمنت أدوات علمية ما زالت تحتفظ بفائدتها الإجرائية، ثم إنها ذات طابع موسوعي، حيث تتداخل فيها علوم متعددة، وتتعاضد فيما بينها، حتى كانت أوسع المنهجيات الإسلامية على الإطلاق.
كما أن استئناف العطاء المعرفي الإسلامي يقتضي الصلة بالعطاء المعرفي الماضي من غير جمود عليه، وما وجدت في جوانب المنهجية الإسلامية عموما أصلح للقيام بهذه الصلة من المنهجية الأصولية؛ لما تتميز به من إبداع وتكامل وانفتاح.
Unknown page