[92] وقد يعرض الغلط في الظل أيضا من أجل خروج وضع المبصر عن عرض الاعتدال. وذلك أن المبصر النقي البياض كالجدران المبيضة إذا كانت فيها مواضع غير مبيضة، وكانت تلك المواضع ترابية اللون، وأشرق ضوء الشمس على جميع الجدار الذي بهذه الصفة، وكان البصر ينظر إلى مبصر من المبصرات خارج ذلك الجدار وبعيد عنه، وكان البصر محدقا إلى ذلك المبصر ومتأملا له وكان سهم الشعاع على المبصر الذي إليه يحدق البصر، وكان الجدار والمواضع الترابية منه بعيدة عن السهم، وكان البصر مع ذلك يدرك ذلك الجدار، فإنه يدرك تلك المواضع الترابية كأنا أظلال. وإذا لم يكن قد تقدم علم الناظر بذلك الجدار وبتلك المواضع، ولم يكن أدرك |ذلك الجدار قبل ذلك الوقت، فإنه ربما ظن بتلك المواضع الترابية المنكسفة الالوان أنها أظلال. وذلك لأن المبصر الخارج عن سهم الشعاع البعيد عنه ليس يدركه البصر إدراكا صحيحا. والضوء إذا أشرق على المبصرات المختلفة اللوان فإن صورته تكون مختلفة، وإذا أشرق ضوء الشمس على الجدار النقي البياض الذي فيه مواضع ترابية فإن الضوء الذي يحصل على المواضع الشديدة البياض يكون شديد الإشراق وقويا، والضوء الذي يحصل على المواضع الترابية يكون منكسفا وشبيها بالظل. فإذا أدرك البصر المبصر الذي بهذه الصفة وكان خارجا عن سهم الشعاع وبعيدا عنه فإنه يدرك صورة الضوء الذي عليه مختلفة، ويدرك المواضع النقية البياض شديدة الإشراق ويدرك المواضع الترابية منكسفة الضوء. والبصر قد ألف الأظلال من تضاعيف الأضواء، فإذا أدرك المواضع الترابية منكسفة الضوء، ولم يدرك صورتها إدراكا محققا من أجل بعدها عن السهم ولم يتقدم علم الناظر بأنها ترابية، فإنه ربما ظن بتلك المواضع أنها أظلال.
[93] وإذا أدرك البصر الموضع المضيء الذي لا ظل فيه مستظلا فهو غالط فيما يدركه من الظل. والغلط في الظل هو غلط في القياس لأن الظل يدرك بالقياس. وعلة هذا الغلط هو خروج وضع المبصر الذي بهذه الصفة عن عرض الاعتدال، لأن هذا المبصر بعينه إذا كان البصر مقابلا له، وكان سهم الشعاع متحركا عليه، فإنه يدركه على ما هو عليه، ويدرك الضوء الذي فيه على ما هو عليه، ولا يدركه مستظلا، إذا كانت المعاني الباقية التي فيه في عرض الاعتدال.
Page 458