[30] فالمعاني المبصرة التي تدرك بالقياس يكون إدراك أكثرها إدراكا في غاية السرعة. ولا يظهر في أكثر الأحوال أن إدراكها بالقياس والتمييز لسرعة إدراكها، وسرعة إدراكها إنما هو لظهور مقدماتها وكثرة اعتياد القوة المميزة لتمييزها. وأيضا فإن المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس والتمييز إذا تكرر إدراكها بالقياس وفهمت القوة المميزة معانيها، صار إدراك القوة المميزة لها، إذا وردت عليها من بعد استقرار فهمها، بالمعرفة من غير حاجة إلى أن تستقريء جميع المعاني التي فيها، بل تدركها بالأمارات، وتصير تلك النتيجة من جملة المعاني التي تدرك بالمعرفة لا باستئناف التمييز والقياس واستقراء جميع المعاني التي فيها. ومثال ذلك الكلمة الغريبة المكتوبة إذا وردت على الكاتب ولم تكن وردت عليه قبل ذلك ولا ورد عليه مثلها. فليس يدركها إلا بعد أن يستقريء حروفها حرفا حرفا. ثم إذا أدركها وفهمها وغابت عنه ثم أدركها ثانية وهوذاكر لها، فإنه يدركها في الثاني أسرع مما أدركها في الأول. ثم إذا تكرر إدراكه لتلك الكلمة مرات كثيرة استقرت صورة تلك الكلمة في نفسه وصار إدراكه لها من بعد ذلك بالمعرفة، وفي حال ملاحظته ها قد أدركها من غير حاجة إلى استئناف تمييزها واستقراء جميع حروفها حرفا حرفا، بل يدركها في حال ملاحظته لها كما يدرك صورة ابجدوكما يدرك الكلمات التي يعرفها.
[31] وكذلك جميع المعاني المبصرة التي تدرك بالقياس إذا تكرر إدراك البصر لها صار إدراكه لها بالمعرفة من غير استئناف القياس الذي به أدرك صحتها، وكذلك جميع المعاني التي تدرك بالقياس إذا كانت مقدماتها ظاهرة ونتائجها صادقة. فإنه إذا فهمت النفس النتيجة بالقياس واستقرت صحتها في الوهم ثم تكرر ذلك المعنى على النفس مرات كثيرة صارت النتيجة بمنزلة المقدمة الظاهرة فتصير متى وردت القضية على النفس حكم التمييز بالنتيجة من غير حاجة إلى استئناف قياس.
Page 224