[19] وليس يدرك البصر مائية شيء من المبصرات إلا بالمعرفة. والمعرفة ليس هي إدراكا بمجرد الإحساس، وذلك أن البصر ليس يعرف كل ما شاهده من قبل. وإذا أدرك البصر شخصا من الأشخاص وغاب عنه مدة ثم شاهده من بعد ولم يكن ذاكرا لمشاهدته الأولة فليس يعرفه وإنما يعرف ما يعرفه إذا كان ذاكرا لمشاهدته من قبل. فلو كانت المعرفة هي إدراكا بمجرد الإحساس لكان البصر إذا رأى شخصا قد شاهده من قبل عرفه عند المشاهدة الثانية على تصاريف الأحوال. ولكن البصر ليس يعرف الشخص الذي قد شاهده من قبل إلا إذا كان ذاكرا لمشاهدته الأولة ولصورته التي أدركها في الحالة الأولى أو في المرات التي تكررت عليه تلك الصور من قبل. وليس تكون المعرفة إلا بالذ كر. وإذا كانت المعرفة ليس تكون إلا بالذ كر فالمعرفة إذن ليس هي إدراكا بمجرد الإحساس.
[20] والإدراك بالمعرفة هو إدراك بضرب من ضروب القياس. وذلك ن المعرفة هو إدراك تشابه الصورتين، أعني الصورة التي يدركها البصر من المبصرات في حال المعرفة والصورة التي أدركها من ذلك المبصر أو من أمثاله في الحالة الأولى أو في المرات التي تقدمت إن كان أدرك ذلك المبصر أو أمثاله مرات كثيرة. ولذلك ليس تكون المعرفة إلا بالتذكر لأنه إن لم تكن الصورة الأولة حاضرة للذكر لم يدرك تشابه الصورتين ولم يعرف البصر المبصر.
[21] والمعرفة قد تكون بالشخص وقد تكون بالنوع. فالمعرفة بالشخص تكون من تشبيه صورة الشخص المبصر التي أدركها البصر في حال معرفة الشخص بصورته التي أدركها من قبل. والمعرفة بالنوع تكون من تشبيه صورة المبصر بصورة أمثاله من أشخاص نوعه التي أدركها البصر من قبل.
[22] وإدراك التشابه هو إدراك بقياس، لأنه إنما هو من قياس إحدى الصورتين بالأخرى. فالمعرفة إذن إنما تكون بضرب من ضروب القياس. إلا أن هذا القياس يتميز عن جميع المقاييس. وذلك أن المعرفة ليس تكون باستقراء جميع المعاني التي في الصورة، بل إنما تكون المعرفة بالأمارات. فإذا أدرك البصرمعنى من المعاني التي في الصورة، وكان ذاكرا للصورة الأولة، فقد عرف الصورة. وليس كذلك جميع ما يدرك بالقياس، فإن كثيرا ما يدرك بالقياس ليس يدرك إلا بعد استقراء جميع المعاني التي في الشخص الذي يدرك بالقياس أو أكثرها.
Page 220