[86] وهذا المعنى يمكن أن يعتبر في كل وقت وبسهولة. وذلك بأن يعتمد المعتبر بيتا من البيوت في ليل مظلم ويكون على البيت باب من مصراعين، ويحضر عدة من السرج ويجعلها مقابلة للباب ومتفرقة. ويدخل المعتبر إلى داخل البيت ويرد الباب ويفرج بين المصراعين ويفتح منهما مقدارا يسيرا، ثم يتأمل حائط البيت المقابل للباب: فإنه يجد عليه أضواء متفرقة بعدد تلك السرج قد دخلت من فرجة الباب كل واحد منها مقابل لسراج من تلك السرج. ثم إن تقدم المعتبر بأن يستر واحدا من تلك السرج بطل الضوء المقابل لذلك السراج، وإذا رفع الساتر عاد الضوء . وإن ستر المعتبر الفرجة التي انفرجت من الباب وبقي منها ثقب صغير فقط، وكان الثقب مقابلا للسرج، فإنه يجد على حائط البيت أضواء متفرقة أيضا بعدد تلك السرج وكل واحد منها بحسب مقدار الثقب.
[87] وجميع الأضواء التي تظهر في المكان المظلم إنما وصلت إليه من الثقب فقط، فقد اجتمعت أضواء جميع تلك السرج في الثقب ثم افترقت بعد نفوذها من الثقب. فلو كانت الأضواء تمتزج في الهواء لكانت أضواء السرج التي تجتمع في الثقب تمتزج في الهواء الذي في الثقب وفي الهواء المقدم للثقب قبل وصولها إلى الثقب، وكانت إذا نفذت من الثقب تنفذ ممتزجة فلا تتميز بعد نفوذها. وليس نجد الأمر كذلك، وإنما يوجد نفوذها متميزة، فكل واحد منها مقابل للسراج الذي منه ورد ذلك الضوء. وإذا كان ذلك كذلك فالأضواء إذن ليس تمتزج في الهواء، بل كل واحد منها يمتد على سموت مستقيمة، ويتميز بالسموث التي يمتد عليهما، وتكون السموت التي تمتد عليها الضواء المتفرقة متقاطعة ومتوازية ومختلفة الوضع كل واحد من الأضواء تمتد صورته على جميع السموت التي يصح أن تمتد منه في ذلك الهواء، ومع ذلك فلا تمتزج في الهواء ولا ينصبغ الهواء بها وإنما تنفذ في شفيفه فقط والهواء مع ذلك حافظ لصورته.
Page 171