قيل: كان يونس بن المختار في أعلى مرتبة في دار المأمون، وكان يجلس دونها، فقال له الحاجب: يا أبا العباس مرتبتك، فقال: قد رفعني إليها أمير المؤمنين وليس لي عمل يفي بها، فأنا أكرمها عن القعود فيها إلى أن يتهيأ الشكر عليها، فبلغ ذلك المأمون، فقال: هذا والله هو الشكر، وبه تدوم النعم.
وقال قيس بن ذريح:
سقى طلل الدار التي أنتم بها ... حناتم وبل، صيف وربيع
وخيماتك اللاني بمنعرج اللوى ... بلين بلى لم تبلهن ربوع
مضى زمن والناس يستشفعون بين ... فهل لي إلى لبنى الغداة شفيع؟!
إذا أمرتني العاذلات بهجرها ... هفت كبد عما يقلن صديع
وكيف أطيع العاذلات وحبها ... يؤرقني والعاذلات هجوع
وقال جميل بن معمر:
هاجت فؤادك للحبيبة دار ... أقوت وغير آيها الأمطار
وعفا الربيع رسومها فكأنها ... لم يغن قبل بربعها ديار
لما وقفت بها القلوص تبادرت ... مني الدموع وهاجني استعبار
ولقد علمت على التكالف أنه ... تشقى القلوب وتغلب الأفدار
وإذا حللت بذي الأراك ودوننا ... علم المريب وجونة وتعار
فهناك حين تريث عنك رسائلي ... وهناك تقطع عنكم الأخبار
فسقى ديارك حيث كنت من النوى ... غيث أجش وديمة مدرار
وقال ذو الرمة:
خليلي عوجا اليوم ... حتى تسلما
على دارمي
من صدور الركائب
تكن عوجة بجزيكما الله عنده ... بها الأجر، أو تقضى ذمامة صاحب
وقفنا فسلمنا فردت تحية ... علينا، ولم ترجع جواب المخاطب
عصتني بها نفس تريع إلى الهوى ... إذا مد دعاها دعوة لم تغالب
وقال أيضًا:
يا دار مية بالخلصاء فالجرد ... سقيًا، وإن هجت أدنى الشوق للكمد
من كل ذي لجب باتت بوارقه ... تجلو أغر الأعالي حالك النضد
[حالك النضد]: متراكب السحاب.
مجلجل الرعد عراصًا إذا ارتجست ... نوء الثريا به، أو نثرة الأسد
أسقى الإله به حزوى، فجاد به ... ما قابل الزرق من سهل ومن جلد
أرضًا معانًا من الحي الذين هم ... أهل الجياد وأهل المجد والعدد
كانت تحل بها مي، فقد قذفت ... عنا بها نية من طية قدد
وقال مرقش:
هل تعرف الدار عفا رسمها ... إلا الأثافي ومبنى الخيم
أعرفها دارًا لأسماء فالدم ... ع على السربال فيض سجم
أمست خلاء بعد سكانها ... مقفرة ما إن بها من إرم
بعد جميع قد أراهم بها ... لهم قباب وعليهم نعم
وقال آخر:
هل الريح أو برق الغمامة مخبر ... ضمائر حاج لا أطيق لها ذكرا
سليمى سقاها الله حيث تصرفت ... بها غربات الدار عن دارنا قطرا
إذا درجت ريح الصبا أو تنسمت ... تعرفت من نجد وساكنه نشرا
فقرف قرح القلب بعد اندماله ... وهيج دمعًا لا جمودًا ولا نزرا
وقال البحتري:
أأطلال دار العامرية باللوى ... سقت ربعك الأنواء
ما فعلت هند؟
أدار الهوى بين الصريمة واللوى ... أما للهوى إلا رسيس الجوى قصد؟
وقال أيضًا:
قف العيسى قد أدنى خطاها كلالها ... وسل دار سعدى إن شفاك سؤالها
وما أعرف الأطلال من بطن توضح ... لطول تعفيها، ولكن إخالها
إذا قلت: أنسى وصل سعدى على النوى ... تصور في أقصى الضمير خيالها
وقد كنت أرجو وصلها عند هجرها ... فقد بان مني هجرها ووصالها
وقال أيضًا:
ميلوا إلى الدار من ليلى نحييها ... نعم ونسألها عن بعض أهليها
يا دمنة جاذيتها الريح بهجتها ... تبيت تنشرها طورًا وتطويها
لازلت في حلل للغيث ضافية ... يثيرها البرق أحيانًا ويسديها
تروح بالوابل الداني روائحها ... على ربوعك أو تغدو غواديها
وقال ذو الرمة: ألا يا اسلمي يا دار مي على البلى=ولا زال منهلًا بجرعائك القطر
وإن لم تكوني غير شام مقفرة ... تجر بها الأذيال صيفية كدر
أقامت به حتى ذوي العود في الثرى ... ولف الثريا في ملاءته الفجر
فوالله ما أدري أجولان عبرة ... تجود بها العينان أحجى أم الصبر
1 / 78