وروى المدائني قال: باع جار لفيروز داره بأربعة آلاف درهم، فجيء بها، فقال البائع: هذا ثمن داري، فأين ثمن جاري؟ قال: ولجارك ثمن؟ قال: لا أنقصه والله من أربعة آلاف، فبلغ ذلك فيروز، فأرسل إليه بثمانية آلاف درهم، وقال: هذا ثمن دارك وجارك، والزم دارك لا تبيعها.
وقال أبو تمام:
إن بكاء في الدار من أربه ... فشايعا مغرمًا على طربه
جيدت بداني الأكناف ساحتها ... نائي المدى داني الحيا سربه
مزن إذا ما استطار بارقه ... أعطى البلاد الأمان من كذبه
وقال أيضًا:
قد مررنا بالدار وهي خلاء ... وبكينا طلولها والرسوما
وسألنا ربوعها، وانصرفنا ... بسقام وما سألنا حكيما
وقال أبو العلاء [أحمد بن عبد الله] بن سليمان [المعري]: أنا من أقام الحرف وهي كأنها=نون بدارك والمعالم أسطر
بالسعد جادتك السماء لتسعدي ... والغفر، عل ذنوب أهلك تغفر
وقال أيضًا:
إذ ذن أنف البرد سرت فليته ... عقيب التنائي كان عوقب بالجدع
وما أورقت أوتاد دارك باللوى ... ودارة حتى أسقيت سبل الدمع
وقال البحتري:
ولقد منعت الدار إعلان الهوى ... وطويت عنها سرك المكتوما
أتغيض من حذر الوساة مدامعي ... فإذا خلوت تفيضهن سجوما؟
وقال آخر: ولو كنت في الدار التي مسقط الصفا=مرضت، ولكن غاب عني معللي
هنالك لو أني مرضت لعادني ... عوائد من لم يأت منهن يرسل
وقال آخر:
لا تطلبن دنو دا ... ر من خليل أو معاشر
أبقى لأسباب المود ... ة أن تزور ولا تجاور
قال أحمد بن إسماعيل بن الخصيب: شكا إلي ميمون بن هارون بعد داره إذا أراد زيارتي، فقلت: من هذا المنزل أقصدك إذا زرتك، ثم كتبت إليه:
لا تجلعن بعد داري ... مخسسًا لنصيبي
فرب شخص بعيد ... إلى الفواد قريب
ورب شخص قريب ... إليه غير حبيب
ما البعد والقرب إلا ... ما كان بين القلوب
كتب عبد الله بن طاهر إلى المأمون من خراسان: "بعدت داري عن ظل أمير المؤمنين، وإن كنت حيث تصرفت لا أتفيأ إلا به، وقد اشتد إلى أمير المؤمنين شوقي، لأرى مجلسه، وأتشرق بخطابه، وأتجمل بخدمته، وأنقح عقلي من حسن أدبه، فلا شيء آثر عندي من قربه، وإن كنت في سعة من عيش وهبها الله به، فإن رأى أمير المؤمنين أن يأذن لي في المصير إليه؛ لأحدث عهدًا بالمنعم على، وأتهنأ بالنعمة التي آثرها لدي، فعل محسنًا إن شاء الله".
فوقع المأمون في كتابه: "قربك يا أبا العباس إلي حبيب، وأنت مني حيث كنت قريب، وإنما بعدت دارك نظرًا لك ورغبة فيك وسموًا، واتبع قول الشاعر:
رأيت دنو الدار ليس بنافع ... إذا لم يكن بين القلوب قريب
ويروى: "إذا كان ما بين القلوب بعيد": وقال الشاعر:
وأنزلني طول النوى دار غربة ... إذا شئت لاقيت امرأ لا أشاكله
أحامقه حتى يقال: سجية ... ولو كان ذا عقل لكنت أعاقله
وقال أبو الحسن علي بن ثروان الكندي:
درت عليك غوادي المزن يا دار ... ولا عفت منك آيات وآثار
دعاء من لعبت أيدي الغرام به ... وساعدتها صبابات وأذكار
وقال ذو الرمة: أستحدث الركب عن أشياعهم خبرًا=أم راجع القلب من أطرابه طرب
أم دمنة نسفت عنها الصبا سفعًا ... كما تنشر بعد الطية الكتب
لا، بل هو الشوق من دار تخونها ... مر سحاب ومر بارح ترب
يبدو لعينيك منها وهي مزمنة ... نؤى ومستوقد بال ومحتطب
ديار مية إذ مي تساعفنا ... ولا يرى مثلها عجم ولا عرب
غراء تزداد إبهاجًا إذا سفرت ... وتحرج العين فيها حين تنتقب
براقة الجيد، واللبات واضحة ... كأنها طبية أفضى بها لبب
نجلاء في برج صفراء في نعج ... كأنها فضة قد مسها ذهب
لمياء في شفتيها حوة لعس ... وفي اللثاة وفي أنيابها شنب
وقال البحتري:
وما في سؤال الدار إدراك حاجة ... إذا استعجمت آياتها أن تكلما
وتيمني أن الجوى غير مقصر ... وأن الحمى وصف لمن حل بالحمى
1 / 77