فإن تنأ عنها لا تضرها، وإن تعد ... تجدها على العهد الذي كنت تعلم
أنشد ابن خالويه لبعض العرب:
ألم تعلمي يا دار بلجاء أنني ... إذا أخصبت أو كان جدبًا جنابها
أحب بلاد الله ما بين منعج ... إلي وسلمى أن يصوب سحابها
بلاد بها نيطت على تمائمي ... وأول أرض مس جلدي ترابها
أورد لاشيخ الإمام أبو حامد محمد بن محمد بن محمد الغزالي ﵁ في فضائل مالك بن أنس - رضوان الله عليه - أن الرشيد سأل مالكًا: هل لك من دار؟ قال: لا، فأعطاه ثلاثة آلاف دينار، وقال: اشتر بها دارًا، فأخذها مالك، ولم ينفقها، فلما أراد الرشيد الشخوص من المدينة، قال لمالك: ينبغي أن تخرج معنا، فإني عزمت أن أحمل الناس على الموطأ، كما حمل عثمان - رضوان الله عليه - الناس على القرآن، فقال له مالك: أما حملك الناس على الموطأ فليس إلى ذلك سبيل؛ لأن أصحاب رسول الله ﷺ افترقوا بعده في الأمصار، فحدثوا ﵃ فعند كل أهل مصر علم، وقد قال رسول الله ﷺ: "اختلاف أمتي رحمة" وأما خروجي معك فليس إليه سبيل، فقال ﷺ: "المدينة خير لهم لو كانوا يعلمون" وقال ﷺ: "المدينة تنفي خبثها كما ينفي الكير خبث الحديد" وهذه دنانيركم، كما هي، إن شتم خذوها، وإن شئتم دعوها.
أراد أنك تكلفني مفارقة المدينة لما اصطنعت إلي، ولا أوثر الدنيا على مدينة رسول الله ﷺ.
وقال المهدي يومًا لمالك: هل لك في دار؟ قال: لا، ولكني أحدثك: سمعت ربيعة بن عبد الرحمن يقول: "نسب المرء داره".
وقال ربيعة بن مقروم الضبي:
يا دار أسماء بالأمثال فالرجل ... حييت من دمنة قفر ومن طلل
كأنها بعد عهد العاهدين بها ... مهارق العجم أو مشية الحلل
دار غنينا بها حينًا، وأي غنى ... عن أهله
يا ابنة الضبي
لم يحل؟!
وقال نصيب:
ألا تسأل الدار التي لعب البلى ... بجدتها، فلم تكد تستبينها؟!
متى بان منها أهلها؟ أم هل البكا ... إن العين بالدمع استهل شؤونها
يريح هوى نفس عصتك وأصبحت ... تنازع شتى لا جميعًا شجونها
إذا غشيت ربعًا لزينب راجعت ... به الشوق، حتى يستبان دفينها
فلا حدث الأيام أنساك ذكرها ... ولا غربة الدار الشديد شطونها
وقال آخر (ينسب إلى المجنون قيس بن الملوح):
يا دار ليلى بسقط الخل قد درست ... إلا الثمام، وإلا موقد النار
أبلى عظامي ... بعد الحب
دارسها
كما تتبع عود الشوحط الباري
ما تبرح الدهر من ليلى تموت جفًا ... في موقف وقفته أو على دار؟!
وقال المرار الفقعسي:
خليلي إن الدار غفر لذي الهوى ... كما ينكس المحموم أو صاحب الكلم
أبى منزل بالبرق إلا يهيجني ... ودار لها بين الأجارع والرضم
(الغفر: النكس والتغطية، وشعر الساق غفر) .
وقال الغطمش الضبي:
أقول لجواب وقيس بن عازب ... وقد بل جفن العين ماء مسيلها
قفا حييا الدار التي لو وجدتما ... بها أهلها ما كان نحسًا مقيلها
وقال طلحة بن رفاعة:
سقى الله دارًا بين أمواه بارق ... وذي نخب لم يبق إلا صعيدها
بها كان عهد المالكية فانقضى ... كذاك الغواني لا تدوم عهودها
وكانت تمنينًا وتزعم أنه ... يجئ على بعض الأماني جودها
فما زادها أن أيسرت لديوننا ... قضاء، ولكن كان بخلًا يزيدها
روى أن إبراهيم بن حذيفة ﵀ باع داره، فلما أراد المشتري أن يشهد عليه قال: لست أشهد عليها ولا أسلمها حتى تشتروا مني جوار سعيد بن العاصي، وتزيدوا في الثمن، قالوا: وله رأيت أحدًا اشترى جوارًا أو باعه؟ قال: ألا تشترون جوار من إن أسأت إليه أحسن، وإن جهلت عليه حلم، وإن أعسرت وهب؟ لا حاجة لي في بيعكم، ردوا علي داري، فبلغ ذلك سعيد بن العاصي، فبعث إليه بمائة ألف درهم.
1 / 76