أما ترى العيش بها زائلًا؟ ... تبًا لدنيا عيشها زائل
والشعر لسعيد بن حميد الكاتب.
قال أبو زيد الرقي: قال أبو محمد الفضيل بن عياض ﵁ يا أبا يزيد اشتريت دارًا؟ قلت: نعم، قال: وأشهدت شهودًا؟ قلت: نعم، قال: فإنه والله يأتيك من لا ينظر في كتابك، ولا يسأل عن بينتك، فيخرجك منها عريانًا مجردًا فانظر ألا تكون اشتريت هذا الدار من غير مالك، ووزنت فيها مالًا من غير حله، فإذا أنت قد خسرت الدنيا والآخرة.
عن معاوية بن أبي سفيان ﵁ أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول: في خطبة أحد العيدين: "الدنيا دار بلاء، ومنزل قلعة وعناء، وقد نزعت عنها نفوس السعداء، وانتزعت بالكره من أيدي الأشقياء، فأسعد الناس بها أرغبهم عنها، وأشقاهم بها أرغبهم فيها، هي الغاشة لمن انتصحها، والمغوية لمن أطاعها، والخاترة لمن انقاد لها، فالفائز من أعرض عنها، والهالك من هو راغب فيها، وطوبى لعبد اتقى فيها ربه، وناصح نفسه، وقدم توبته، وأخر شهوته من قبل أن تلفظه الدنيا إلى الآخرة، فيصبح في بطن موشحة غبراء، مدلهمة ظلماء، لا يستطيع أن يزيد في حسنة، ولا ينقص من سيئة، ثم ينشر فيحشر، إما إلى جنة يدوم نعيمها، وإما إلى نار لا ينفد عذابها".
وعن ابن عمر ﵁ أنه قال: سمعت رسول الله ﷺ يقول في خطبته: "يا أيها الناس: إن هذه الدار دار التواء، لا دار استواء، ومنزل ترح، لا منزل فرح، من عرفها لم يفرح لرخاء، ولم يحزن لشقاء، ألا وإن الله ﷿ خلق الدنيا دار بلوى، والآخرة دار عقبى، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة سببًا، وثواب الآخرة من يلوي الدنيا عوضًا، فيأخذ ليعطي، ويبتلي ليجزي، إنها لسريعة الذهاب، وشيكة الانقلاب، فاحذروا حلاوة رضاعها، لمرارة فطامها، وانحزوا لذيذ عاجلها لكريه آجلها، ولا تسعوا في عمران دار قد قضى الله خرابها، ولا تواصلوها وقد أراد الله منكم اجتنابها، فتكونوا لسخطه متعرضين، ولعقوبته مستوجبين".
وقال الشاعر:
ألا إنما الدنيا غضارة أيكة ... إذا اخضر منها جانب جف جانب
فكم سخنت بالأمس عين قريرة ... وقرت عيون دمعها أمس ساكب
هي الدار ما الآمال إلا فجائع ... عليها وما اللذات إلا مصائب
وقال ابن المعتز:
يا دار يا دار أطرابي وأشجاني ... أبلى جديد مغانيك الجديدان
لئن تعطلت من لهوي ومن سكني ... لقد تأهلت من بثي وأشجاني
جادتك رائحة في إثر غادية ... تروي ثرى منك أمسى غير ريان
حتى أرى النور في مغناك مبتسمًا ... كأنه حدق في غير أجفان
وقال محمود الوراق:
فما أهل الحياة لنا بأهل ... ولا دار الحياة لنا بدار
وما أولادنا والأهل فيها ... ولا أموالنا إلا عواري
وأنفسنا إلى أجل قريب ... سيأخذها المعير من المعار
عن محمد بن الحسن بن عبيد الله الكوفي ﵀ قال: كتب إلي داوود الفارسي ﵀، وكان عالمًا ناسكًا - بهذه الألفاظ: يا أخي الدنيا دار زلل وزوال، وتغير حال بعد حال، ثم كتب آخر كتابه هذه الأبيات:
أفرطت في العيش وتأميله ... وللمنايا شيم نكد
وإنما عيش الفتى ساعة ... لا قبلها منها ولا بعد
ما أوسع الدنيا على أهلها ... لو لم يكن آخرها اللحد
وقال سابق البربري:
وللموت تغذو الوالدات سخالها ... كما لخراب الدور تبنى المساكن
عجبت من الدنيا وذمي نعيمها ... وحبي لها في مضمر القلب باطن
وقولي: أعذني رب من كل فتنة ... وأكلف منها بالذي هو فاتن
وقال البحتري:
أرسوم دار أم سطور كتاب ... درست بشاشتها مع الأحقاب؟
يجتاز زائرها بغير لبانة ... ويرد سائلها بغير جواب
ولربما كان الزمان محببًا ... فينا بمن فيها من الأحباب
وقال الكميت:
مالي في الدار بعد ساكنها ... وإن تذكرت أهلها أرب
لا الدار ردت جواب سائلها ... ولا بكت أهلها إذ اغتربوا
وقال عدي بن الرقاع العاملي:
لمن الدار كأنضاء الكتاب ... هاجت الشوق وعيت بالجواب
لم تزدك الدار إلا طربًا ... والصبي غير شبيه بالتصابي
1 / 65