ورنت والعين تذرى ... كالئًا ترنو بعين
م قالت لفتي ... ات كآرام الرهين:
إنما يستمطر الجو ... د بكفي ذي رعين
فقلت له: من يقول هذا يا أخي؟ قال: أنا والله قلته على لسان روضة قينة ذي رعين، فقالوا له: زدنا، وما استزادوا غيره، فقال:
سفرت عن مثل قر ... ن الشمس في الليل البهيم
في جوار قد سلبن اللح ... ظ أطلاء الصريم
ثم قالوا لآخر: قم يا دلهم، ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى:
طيف تأوب من سعاد ... حتى اجتنى ثمر الفؤاد
ولبئسما متبدل ... طيف السهاد من الرقاد
فقلت: من يقول هذا يا أخي؟ قال: أنا والله قلته على لسان نظام قينة ياسر المنعم. ثم قالوا: قم يا ملدم، فقام ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى:
نذرت حماتك يا أما ... م دمي. ودون مرامه
دهم تفض جماجم ال ... أقوام تحت قتامه
إن يحجبوك تزره طي ... فك طارقات منامه
فاستخفهم الطرب، فقاموا يصارع بعضهم بعضًا، ثم عادوا إلى مجلسهم، ثم قالوا: قم يا عرقال، قال: فقام، ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى:
ضنت برجع سلامها هند ... أهو الدلال بها أم الصد؟!
إن لم يكن نيل أعيش به ... فالوعد، ليس يئودك الوعد
قال: فقام القوم، فجعل الرجل منهم يثب، فيجعل قدميه على منكبي صاحبه، ويثب الثاني على الآخر. هكذا حتى يصيروا كالنخلة السحوق، ثم يسقط بعضهم على بعض وهم يتضاحكون، ثم قالوا: قم يا عفير، فقام. ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى:
سقيت أيافث من بلاد ... صوب الروائح والغوادي
كم قد تروت هامتي ... فيها وعول من وسادي
دعني لسبل غوايتي ... والزم سبيلك للرشاد
ثم قالوا: قم يا معتر، فقام ففعل كفعل أصحابه، ثم تغنى:
إن المدامة غادرت ... ثوبي قد ثقلا عليا
فأصب بمائك قلبها ... وابعث بمهجتها إليا
واحى اللذاذة بالمدا ... م وشربها مادمت حيًا
ثم قالوا: عم ظلامًا، فما رأينا إنسيًا أصلب قلبًا منك، وغابوا، فنمت، فما أيقظني إلا حر الشمس، فقلت: والله لقد تلاعبت بي الجنان في ليلتي هذه، وآليت على نفسي لا سرت بعدها مسيرًا إلا في رفقة.
فصل آخر في ذكر البلاد
عن الأصمعي، قال: مررت بحمى الربذة، وإذا صبيان يتقامسون في الماء، وشاب مليح الوجه، ملوح الجسم، قاعد فسلمت عليه، فرد السلام، وقال: من أين وضح الراكب؟ قلت: من الحمى، قال: ومتى عهدك بها؟ قلت: رائحًا، قال: فأين كان مبيتك منها؟ فقلت: بأدنى هذه المشاقر (يعني نبات العرفج) - فألقى نفسه على ظهره، وتنفس الصعداء، فقلت: تفسأ (أي تشقق) حجاب قلبه، ثم أنشأ يقول:
سقى بلدًا أمست سليمى تحله ... من المزن ما يروى به ويسيم
وإن لم أكن من ساكنيه فإنه ... يحل به شخص على كريم
ألا حبذا من ليس يعدل قربه ... لدى
وإن شط المزار
نعيم
ومن لامني فيه حميم وصاحب ... فرد بيأس صاحب وحميم
ثم سكت سكتة كالمغمى عليه، فصحت بالأصبية، فأتوا بماء، فصببته على وجهه فأفاق، وأنشأ يقول:
إذا الصب الغريب رأى خضوعي ... وأنفاسي تزين بالخشوع
ولي عين أضر بها التفاتي ... إلى الأجراع مطلقة الدموع
إلى الخلوات تأنس فيك نفسي ... كما أنس الوحيد إلى الجميع
فقلت له: ألا أنزل فأساعدك، أو أكر عودي على بدئي في حاجة إن كانت لك، أو رسالة؟ قال: جزيت خيرًا، وصحبتك السلامة، امض لطيتك، فلو علمت أنك تغني عني شيئًا لكنت موضع الرغبة، وحقيقًا بإسعاف المسألة، ولكنك أدركتني في صبابة من الحياة قال: فانصرفت، ولا أراه أمسى إلا ميتًا.
وقال نبهان بن علي العبشمي:
يقر بعيني أن أرى من بلادها ... ذرى عقدات الأبرق المتقاود
وأن أرد الماء الذي وردت به ... سليمى وقد مل السرى كل واخد
وألصق أحشائي ببرد ترابه ... ولو كان مخلوطًا بسم الأساود
وقال آخر:
يقر بعيني أن أرى من بلادها ... دماجًا، وأن تبدو لعيني الأجادع
بلادًا حماها الخوف عني والعدى ... وحرب ذوي القربى، فما أنا صانع؟!
وقال عبد الله بن الدمينة الخثعمي:
1 / 61