بِسم الله الرَّحْمَن الرَّحِيم
الْحَمد لله الْوَاحِد الْأَحَد القيوم الصَّمد اللَّطِيف الْقَرِيب الَّذِي أمطر سرائر العارفين كرائم الْكَلم من غمائم الحكم وألاح لَهُم لوائح الْقدَم فِي صَفَائِح الْعَدَم ودلهم على أقرب السبل إِلَى الْمِنْهَاج الأول وردهم من تفرق الْعِلَل إِلَى عين الْأَزَل وَبث فيهم ذخائره
1 / 3
وأودعهم سرائره وَأشْهد أَن لَا إِلَه إِلَّا الله وَحده لَا شريك لَهُ الأول الآخر الظَّاهِر الْبَاطِن الَّذِي مد ظلّ التلوين على الْخَلِيفَة مدا طَويلا ثمَّ جعل شمس التَّمْكِين لصفوته عَلَيْهِ دَلِيلا ثمَّ قبض ظلّ التَّفْرِقَة عَنْهُم إِلَيْهِ قبضا يَسِيرا وَصلَاته وَسَلَامه على صَفيه الَّذِي أقسم بِهِ فِي إِقَامَة حَقه مُحَمَّد وَآله كثيرا وَبعد فَإِن جمَاعَة من الراغبين فِي الْوُقُوف على منَازِل السائرين إِلَى الْحق عز اسْمه من الْفُقَرَاء من أهل هراة والغرباء طَال عَليّ مسألتهم إيَّايَ زَمَانا أَن أبين لَهُم فِي مَعْرفَتهَا بَيَانا يكون على معالمها عنوانا
1 / 4
فأجبتهم بذلك بعد استخارتي الله واستعانتي بِهِ وسألوني أَن أرتبها لَهُم ترتيبا يُشِير إِلَى تواليها وَيدل على الْفُرُوع الَّتِي تَلِيهَا وَأَن أخليه من كَلَام غَيْرِي وأختصره ليَكُون ألطف فِي اللَّفْظ وأخف للْحِفْظ
وَإِنِّي خفت أَنِّي إِن أخذت فِي شرح قَول
أبي بكر الكتاني إِن بَين العَبْد وَالْحق ألف مقَام من نور وظلمة
طولت عَليّ وَعَلَيْهِم
فَذكرت أبنية تِلْكَ المقامات الَّتِي تُشِير إِلَى تَمامهَا وتدل على مرامها وَأَرْجُو لَهُم بعد صدق قصدهم مَا
قَالَ أَبُو عبيد البسري إِن لله عبادا يُرِيهم فِي بداياتهم مَا فِي نهاياتهم
ثمَّ إِنِّي رتبته لَهُم فصولا وأبوابا يُغني ذَلِك التَّرْتِيب عَن التَّطْوِيل الْمُؤَدِّي إِلَى الملال وَيكون مندوحة عَن التسآل فَجَعَلته مائَة مقَام مقسومة على عشرَة أَقسَام
وَقد قَالَ الْجُنَيْد قد ينْقل العَبْد من حَال إِلَى حَال أرفع مِنْهَا
1 / 5
وَقد بَقِي عَلَيْهِ من الَّتِي نقل عَنْهَا بَقِيَّة فيشرف عَلَيْهَا من الْحَالة الثَّانِيَة فيصلحها
وَعِنْدِي أَن العَبْد لَا يَصح لَهُ مقَام حَتَّى يرْتَفع عَنهُ ثمَّ يشرف عَلَيْهِ
فيصححه وَاعْلَم أَن السائرين فِي هَذِه المقامات على اخْتِلَاف مفظع لَا يجمعهُمْ تَرْتِيب قَاطع وَلَا يقفهم مُنْتَهى جَامع
وَقد صنف جمَاعَة من الْمُتَقَدِّمين والمتأخرين فِي هَذَا الْبَاب تصانيف عساك لَا ترَاهَا أَو أَكْثَرهَا على حسنها مغنية كَافِيَة
مِنْهُم من أَشَارَ إِلَى الْأُصُول وَلم يَفِ بالتفصيل وَمِنْهُم من جمع الحكايات وَلم يلخصها تلخيصا وَلم يخصص النُّكْتَة تَخْصِيصًا وَمِنْهُم من لم يُمَيّز بَين مقامات الْخَاصَّة وضرورات الْعَامَّة وَمِنْهُم من عد شطح المغلوب مقَاما وَجعل بوح الْوَاجِد ورمز المتمكن شَيْئا عَاما وَأَكْثَرهم لم ينْطق عَن الدَّرَجَات
وَاعْلَم أَن الْعَامَّة من عُلَمَاء هَذِه الطَّائِفَة والمشيرين إِلَى هَذِه الطَّرِيقَة اتَّفقُوا على أَن النهايات لَا تصح إِلَّا بتصحيح البدايات كَمَا أَن الْأَبْنِيَة لَا تقوم إِلَّا على الأساس
وَتَصْحِيح البدايات هُوَ إِقَامَة الْأَمر على مُشَاهدَة الْإِخْلَاص ومتابعة السّنة
1 / 6
وتعظيم النَّهْي على مُشَاهدَة الْخَوْف ورعاية الْحُرْمَة والشفقة على الْعَالم ببذل النَّصِيحَة وكف الْمُؤْنَة ومجانبة كل صَاحب يفْسد الْوَقْت وكل سَبَب يفتن الْقلب
على أَن النَّاس فِي هَذَا الشَّأْن ثَلَاثَة نفر
رجل يعْمل بَين الْخَوْف والرجاء شاخصا إِلَى الْحبّ مَعَ صُحْبَة الْحيَاء فَهَذَا هُوَ الَّذِي يُسمى المُرَاد وَرجل مختطف من وَادي التَّفَرُّق إالى وَادي الْجمع وَهُوَ الَّذِي يُقَال لَهُ المُرَاد وَمن سواهُمَا مُدع مفتون مخدوع وَجَمِيع هَذِه المقامات تجمعها رتب ثَلَاث
الرُّتْبَة الأولى أَخذ القاصد فِي السّير
الرُّتْبَة الثَّانِيَة دُخُوله فِي الغربة
الرُّتْبَة الثَّالِثَة حُصُوله على الْمُشَاهدَة الجاذبة إِلَى عين التَّوْحِيد فِي طَرِيق الفناء
وَقد اُخْبُرْنَا فِي معنى الرُّتْبَة الأولى الْحُسَيْن بن مُحَمَّد بن عَليّ الْفَرَائِضِي قَالَ
أخبرنَا أَحْمد بن مُحَمَّد بن حسنوية قَالَ أخبرنَا الْحُسَيْن بن إِدْرِيس الْأنْصَارِيّ قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن أبي شيبَة قَالَ
حَدثنَا مُحَمَّد بن بشر هُوَ الْعَبْدي قَالَ
حَدثنَا عمر بن رَاشد عَن يحيى بن ابي كثير عَن أبي سَلمَة عَن أبي هُرَيْرَة ﵁ قَالَ
1 / 7
قَالَ رَسُول الله ﷺ سِيرُوا سبق المفر دون قَالُوا يَا رَسُول الله وَمَا المفر دون قَالَ
المهتزون الَّذين يهتزون فِي ذكر الله ﷿ يضع الذّكر عَنْهُم أثقالهم فَيَأْتُونَ يَوْم الْقِيَامَة خفافا
وَهَذَا حَدِيث حسن
لم يروه عَن يحيى بن أبي كثير إِلَّا عمر بن رَاشد الْيَمَانِيّ وَخَالف مُحَمَّد بن يُوسُف الْفرْيَابِيّ فِيهِ مُحَمَّد بن بشير الْعَبْدي فَرَوَاهُ عَن عمر بن رَاشد عَن يحيى عَن أبي سَلمَة عَن أبي الدَّرْدَاء مَرْفُوعا
والْحَدِيث إِنَّمَا هُوَ لأبي هُرَيْرَة
رَوَاهُ بنْدَار بن بشار عَن صَفْوَان بن عِيسَى عَن بشير بن رَافع الْيَمَانِيّ إِمَام أهل نَجْرَان ومفتيهم عَن ابي عبد الله بن عَم أبي هُرَيْرَة عَن أبي هُرَيْرَة مَرْفُوعا
وأحسنها طَرِيقا وأجودها سندا حَدِيث الْعَلَاء بن عبد الرَّحْمَن عَن أَبِيه عَن أبي هُرَيْرَة عَن النَّبِي ﷺ ﷺ وَهُوَ مخرج فِي صَحِيح مُسلم
وروى هَذَا الحَدِيث أهل الشَّام عَن أبي أُمَامَة مَرْفُوعا
قَالَ فِي كلهَا سبق المفر دون
وَأخْبرنَا فِي معنى الدُّخُول فِي الغربة حَمْزَة بن مُحَمَّد بن عبد الله الْحُسَيْنِي قَالَ حَدثنَا أَبُو الْقَاسِم عبد الواحد بن احْمَد الْهَاشِمِي الصُّوفِي قَالَ سَمِعت أَبَا عبد الله عَلان بن زيد الدينَوَرِي الصُّوفِي بِالْبَصْرَةِ قَالَ سَمِعت جَعْفَر
1 / 8
الْخُلْدِيِّ الصُّوفِي يَقُول سَمِعت الْجُنَيْد قَالَ سَمِعت السّري عَن مَعْرُوف الْكَرْخِي عَن جَعْفَر بن مُحَمَّد عَن أَبِيه عَن جده عَن عَليّ ﵁ عَن رَسُول الله ﷺ ﷺ قَالَ طلب الْحق غربَة
وَهَذَا حَدِيث غَرِيب مَا كتبته إِلَّا من رِوَايَة عَلان
وَأخْبرنَا فِي معنى الْحُصُول على الْمُشَاهدَة مُحَمَّد بن عَليّ بن الْحُسَيْن الباشاني ﵀ قَالَ حَدثنَا مُحَمَّد بن اسحاق الْقرشِي قَالَ حَدثنَا عُثْمَان بن سعيد الدارامي قَالَ حَدثنَا سُلَيْمَان بن حَرْب عَن حَمَّاد بن زيد عَن مطر الْوراق عَن أبي بُرَيْدَة عَن يحيى بن يعمر عَن عبد الله بن عمر بن الْخطاب فِي حَدِيث سُؤال جِبْرَائِيل رَسُول الله ﷺ ﷺ قَالَ مَا الْإِحْسَان قَالَ أَن تعبد الله كَأَنَّك ترَاهُ فَإِن لم تكن ترَاهُ فَإِنَّهُ يراك
وَهَذَا حَدِيث صَحِيح غَرِيب أخرجه مُسلم فِي الصِّحَاح وَهَذَا الحَدِيث إِشَارَة جَامِعَة لمَذْهَب هَذِه الطَّائِفَة
وَإِنِّي مفصل لَك دَرَجَات كل مقَام مِنْهَا لتعرف دَرَجَة الْعَامَّة مِنْهُ ثمَّ دَرَجَة السالك ثمَّ دَرَجَة الْمُحَقق
1 / 9
وَلكُل مِنْهُم شرعة ومنهاج ووجهة هُوَ مَوْلَاهَا قد نصب لَهُ علم هُوَ لَهُ مَبْعُوث واتيح لَهُ غَايَة هُوَ إِلَيْهَا محثوث وَإِنِّي أسأَل الله أَن يَجْعَلنِي فِي قصدي مصحوبا لَا محجوبا وَأَن يَجْعَل لي سُلْطَانا مُبينًا
﴿إِنَّه سميع قريب﴾ ١
وَاعْلَم أَن الْأَقْسَام الْعشْرَة الَّتِي ذكرتها فِي صدر هَذَا الْكتاب هِيَ قسم البدايات ثمَّ قسم الْأَخْلَاق ثمَّ قسم الْأَحْوَال ثمَّ قسم الْأَبْوَاب ثمَّ قسم الْأُصُول ثمَّ قسم الولايات ثمَّ قسم النهايات ثمَّ قسم الْمُعَامَلَات ثمَّ قسم الأودية ثمَّ قسم الْحَقَائِق
1 / 10
قسم البدايات
فَأَما قسم البدايات فَهُوَ عشرَة أَبْوَاب وَهِي الْيَقَظَة وَالتَّوْبَة والمحاسبة والإنابة والتفكر والتذكر والاعتصام والفرار والرياضة وَالسَّمَاع
بَاب الْيَقَظَة قَالَ الله ﷿
﴿قل إِنَّمَا أعظكم بِوَاحِدَة أَن تقوموا لله﴾ ١ القومة لله هِيَ الْيَقَظَة من سنة الْغَفْلَة والنهوض من ورطة الفترة
وَهِي أول مَا يَسْتَنِير قلب العَبْد بِالْحَيَاةِ لرؤية نور التَّنْبِيه
واليقظة هِيَ ثَلَاثَة أَشْيَاء
1 / 11
الأول لحظ الْقلب إِلَى النِّعْمَة
على الْإِيَاس من عدهَا ... وَالْوُقُوف على حَدهَا والتفرع إِلَى معرفَة الْمِنَّة بهَا ... وَالْعلم بالتقصير فِي حَقّهَا
وَالثَّانِي مطالعة الْجِنَايَة
وَالْوُقُوف على الْخطر فِيهَا ... والتشمر لتداركها والتخلص من ربقها ... وَطلب النخاة بتمحيصها
وَالثَّالِث الانتباه لمعْرِفَة الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْأَيَّام
والتنصل عَن تضييعها ... وَالنَّظَر إِلَى الضن بهَا ليتدارك فائتها ... ويعمر بَاقِيهَا
فَأَما معرفَة النِّعْمَة فَإِنَّهَا تصفو بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِنور الْعقل وشيم برق الْمِنَّة وَالِاعْتِبَار بِأَهْل الْبلَاء
وَأما مطالعة الْجِنَايَة فَإِنَّهَا تصح بِثَلَاثَة أَشْيَاء بتعظيم الْحق وَمَعْرِفَة النَّفس وتصديق الْوَعيد
وَأما معرفَة الزِّيَادَة وَالنُّقْصَان فِي الْأَيَّام فَإِنَّهَا تستقيم بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِسَمَاع الْعلم
1 / 12
وَإجَابَة دواعي الْحُرْمَة وصحبة الصَّالِحين وملاك ذَلِك كُله خلع الْعَادَات
بَاب التَّوْبَة
قَالَ الله ﷿ وَمن لم يتب فَأُولَئِك هم الظَّالِمُونَ ١ فأسقط اسْم الظُّلم عَن التائب
وَالتَّوْبَة لَا تصح إِلَّا بعد معرفَة الذَّنب وَهِي أَن تنظر فِي الذَّنب إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى انخلاعك من الْعِصْمَة حِين إتيانة وفرحك عِنْد الظفر بِهِ وقعودك على الْإِصْرَار عَن تَدَارُكه مَعَ يقينك بِنَظَر الْحق
إِلَيْك وشرائط التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء النَّدَم والاعتذار والإقلاع وحقائق التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء تَعْظِيم الْجِنَايَة واتهام التَّوْبَة وَطلب إعذار الخليقة
وسرائر حَقِيقَة التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء
1 / 13
تَمْيِيز التقية من الْعِزَّة ونسيان الْجِنَايَة وَالتَّوْبَة من التَّوْبَة أبدا لِأَن التائب دَاخل فِي الْجَمِيع من قَوْله تَعَالَى وتوبوا إِلَى الله جَمِيعًا ١ فَأمر التائب بِالتَّوْبَةِ
ولطائف سرائر التَّوْبَة ثَلَاثَة أَشْيَاء أَولهمَا أَن تنظر بَين الْجِنَايَة والقضية فتتعرف مُرَاد الله فِيهَا إِذْ خلاك وإتيانها فَإِن الله ﷿ إِنَّمَا يخلى العَبْد والذنب لأحد مَعْنيين أَحدهمَا أَن تعرف عزته فِي قَضَائِهِ وبره فِي ستره وحلمه فِي إمهال رَاكِبه وَكَرمه فِي قبُول الْعذر مِنْهُ وفضله فِي مغفرته وَالثَّانِي ليقيم على العَبْد حجَّة عدله فيعاقبه على ذَنبه بحجته
واللطيفة الثَّانِيَة أَن تعلم أَن طلب الْبَصِير الصَّادِق سيئته لم يبْق لَهُ حَسَنَة بِحَال لِأَنَّهُ يسير بَين مُشَاهدَة الْمِنَّة وتطلب عيب النَّفس وَالْعَمَل واللطيفة الثَّالِثَة أَن مُشَاهدَة العَبْد الحكم لم تدع لَهُ اسْتِحْسَان حَسَنَة وَلَا استقباح سَيِّئَة لصعوده من جَمِيع الْمعَانِي إِلَى معنى الحكم
1 / 14
فتوبة الْعَامَّة لاستكثار الطَّاعَة فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى ثَلَاثَة أَشْيَاء إِلَى جحود نعْمَة السّتْر والإمهال ورؤية الْحق على الله والاستغناء الَّذِي هُوَ عين الجبروت والتوثب على الله
وتوبة الأوساط من اسْتِقْلَال الْمعْصِيَة وَهُوَ عين الجرأة والمبارزة ومحض التزين بالحمية والاسترسال للقطيعة وتوبة الْخَاصَّة من تَضْييع الْوَقْت فَإِنَّهُ يَدْعُو إِلَى دَرك النقيصة ويطفئ نور المراقبة ويكدر عين الصُّحْبَة
وَلَا يتم مقَام التَّوْبَة إِلَّا بالانتهاء إِلَى التَّوْبَة مِمَّا دون الْحق ثمَّ رُؤْيَة عِلّة تِلْكَ التَّوْبَة ثمَّ التَّوْبَة من رُؤْيَة تِلْكَ الْعلَّة
1 / 15
بَاب المحاسبة
قَالَ الله ﷿ اتَّقوا الله ولتنظر نفس مَا قدمت لغد ١ وَإِنَّمَا يسْلك طَرِيق المحاسبة بعد الْعَزِيمَة على عقد التَّوْبَة والعزيمة لَهَا ثَلَاثَة أَرْكَان
أَحدهَا أَن تقيس بَين نعْمَته وجنايتك وَهَذَا يشق على من لَيْسَ لَهُ ثَلَاثَة أَشْيَاء نور الْحِكْمَة وَسُوء الظَّن بِالنَّفسِ وتمييز النِّعْمَة من الْفِتْنَة
وَالثَّانِي تَمْيِيز مَا للحق عَمَّا لَك أَو مِنْك فتعلم أَن الْجِنَايَة عَلَيْك حجَّة وَالطَّاعَة عَلَيْك منَّة وَالْحكم عَلَيْك حجَّة مَا هُوَ لَك معذرة
وَالثَّالِث أَن تعرف أَن كل طَاعَة رضيتها مِنْك فَهِيَ عَلَيْك وكل مَعْصِيّة عيرت بهَا أَخَاك فَهِيَ إِلَيْك وَلَا تضع ميزَان وقتك من يَديك
بَاب الْإِنَابَة
قَالَ الله ﷿ وأنيبوا إِلَى ربكُم
1 / 16
الْإِنَابَة ثَلَاثَة أَشْيَاء
الرُّجُوع إِلَى الْحق إصلاحا ... كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ اعتذارا ... وَالرُّجُوع إِلَيْهِ وَفَاء ... كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ عهدا ... وَالرُّجُوع إِلَيْهِ حَالا ... كَمَا رَجَعَ إِلَيْهِ إِجَابَة
وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم الرُّجُوع إِلَيْهِ إصلاحا بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِالْخرُوجِ من التَّبعَات والتوجع للعثرات واستدراك الفائتات
وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم الرُّجُوع إِلَيْهِ وَفَاء بِثَلَاثَة أَشْيَاء بالخلاص من لَذَّة الذَّنب وبترك الاستهانة بِأَهْل الْغَفْلَة تخوفا عَلَيْهِم مَعَ الرَّجَاء لنَفسك وبالاستقصاء فِي رُؤْيَة علل الْخدمَة وَإِنَّمَا يَسْتَقِيم الرُّجُوع إِلَيْهِ حَالا بِثَلَاثَة أَشْيَاء بالإياس من عَمَلك ومعاينة اضطرارك وشيم برق لطفه بك
بَاب التفكر
قَالَ الله ﷿ وأنزلنا إِلَيْك الذّكر لتبين للنَّاس مَا
1 / 17
نزل إِلَيْهِم ولعلهم يتفكرون ١ إعلم أَن التفكر تلمس البصيرة لاستدراك البغية
وَهُوَ ثَلَاثَة أَنْوَاع فكرة فِي عين التَّوْحِيد وفكرة فِي لطائف الصَّنْعَة وفكرة فِي مَعَاني الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال
فَأَما الفكرة فِي عين التَّوْحِيد فَهِيَ اقتحام بَحر الْجُحُود لَا يُنجى مِنْهُ إِلَّا الِاعْتِصَام بضياء الْكَشْف والتمسك بِالْعلمِ الظَّاهِر
وَأما الفكرة فِي لطائف الصَّنَائِع فَهِيَ مَاء يسْقِي زرع الْحِكْمَة
وَأما الفكرة فِي مَعَاني الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال فَهِيَ تسهل سلوك طَرِيق الْحَقِيقَة
وَإِنَّمَا يتَخَلَّص من الفكرة فِي عين التَّوْحِيد بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِمَعْرِفَة عجز الْعقل
1 / 18
وبالإياس من الْوُقُوف على الْغَايَة وبالاعتصام بِحَبل التَّعْظِيم
وَإِنَّمَا تدْرك لطائف الصَّنَائِع بِثَلَاثَة أَشْيَاء بِحسن النّظر فِي مبادئ المنن والإجابة لدواعي الإشارات وبالخلاص من رق الشَّهَوَات
وَإِنَّمَا يُوقف بالفكرة على مَرَاتِب الْأَعْمَال وَالْأَحْوَال بِثَلَاثَة أَشْيَاء باستصحاب الْعلم واتهام المرسومات وَمَعْرِفَة مواقع الْغَيْر
بَاب التَّذَكُّر
قَالَ الله ﷿ وَمَا يتَذَكَّر إِلَّا من ينيب التَّذَكُّر فَوق التفكر فَإِن التفكر طلب والتذكر وجود
وأبنية التَّذَكُّر ثَلَاثَة أَشْيَاء
1 / 19
الِانْتِفَاع بالعظة واستبصار الْعبْرَة وَالظفر بثمر الفكرة
وَإِنَّمَا ينْتَفع بالعظة بعد حُصُول ثَلَاثَة أَشْيَاء بِشدَّة الافتقار إِلَيْهَا والعمي عَن عيب الْوَاعِظ وبذكر الْوَعْد والوعيد
وَإِنَّمَا تستبصر الْعبْرَة بِثَلَاثَة أَشْيَاء بحياة الْعقل وَمَعْرِفَة الْأَيَّام والسلامة من الْأَغْرَاض
وَإِنَّمَا تجنى ثَمَرَة الفكرة بِثَلَاثَة أَشْيَاء بقصر الأمل والتأمل فِي الْقُرْآن وَقلة الْخلطَة وَالتَّمَنِّي والتعلق والشبع والمنام
بَاب الِاعْتِصَام
قَالَ الله ﷿ واعتصموا بِحَبل الله جَمِيعًا
1 / 20
واعتصموا بِاللَّه هُوَ مولاكم
الِاعْتِصَام بِحَبل الله هُوَ الْمُحَافظَة على طَاعَته مراقبا لأَمره والاعتصام بِاللَّه هُوَ الترقي عَن كل موهوم والتخلص من كل تردد والاعتصام على ثَلَاث دَرَجَات ١ اعتصام الْعَامَّة بالْخبر واستسلاما وإذعانا أبتصديق الْوَعْد والوعيد ب وتعظيم الْأَمر وَالنَّهْي ج وتأسيس الْمُعَامَلَة على الْيَقِين والإنصاف وَهُوَ الِاعْتِصَام بِحَبل الله
٢ - واعتصام الْخَاصَّة بالانقطاع أوهو صون الْإِرَادَة قبضا ب وإسبال الْخلق على الْخلق بسطا ج ورفض العلائق عزما وَهُوَ التَّمَسُّك بالعروة الوثقى ٣
٣ - واعتصام خَاصَّة الْخَاصَّة بالاتصال أوهو شُهُود الْحق تفريدا
1 / 21
ب بعد الاستخذاء لَهُ تَعْظِيمًا ج والاشتغال بِهِ قربا وَهُوَ الِاعْتِصَام بِاللَّه
بَاب الْفِرَار
قَالَ الله ﷿ فَفرُّوا إِلَى الله ١
الْفِرَار هُوَ الْهَرَب مِمَّا لم يكن إِلَى مَا لم يزل
وَهُوَ على ثَلَاث دَرَجَات ١ فرار الْعَامَّة أَمن الْجَهْل إِلَى الْعلم عقدا وسعيا ب وَمن الكسل إِلَى التشمير حذرا وعزما ج وَمن الضّيق إِلَى السعَة ثِقَة ورجاء
٢ - وفرار الْخَاصَّة أَمن الْخَبَر إِلَى الشُّهُود ب وَمن الرسوم إِلَى الْأُصُول ج وَمن الحظوظ إِلَى التَّجْرِيد
٣ - وفرار خَاصَّة أالخاصة مِمَّا دون الْحق إِلَى الْحق ب ثمَّ من شُهُود الْفِرَار إِلَى الْحق ج ثمَّ الْفِرَار من الْفِرَار إِلَى الْحق
1 / 22