وكان هاشم أول من أمن سبل مكة، وذلك أن قريشا كانوا تجارا، ولم تكن تجارتهم تجاوز مكة، ولا يخرجون منها حتى ركب هاشم بن عبد مناف إلى الشام، فنزل بقيصر وكان يذبح كل يوم شاة ويضع جفنة ثريد، ويدعو من حوله فيأكلون، وكان من أحسن الناس غصنا وأجملهم، فذكروا أمره لقيصر فدعاه، فلما رآه أعجب به وخصه وأدناه وحسنت منزلته عنده، فقال له هاشم: أيها الملك إن لي قوما وهم تجار العرب، فإن رأيت أن تكتب لهم كتابا بالأمان تؤمنهم وتؤمن تجارتهم، فيقدمون عليك بما تستطرفه من أدم الحجاز وثيابه فيبيعونها عندك. فكتب له كتابا بالأمان لمن أتى منهم.
وأقبل هاشم بذلك الكتاب، فجعل كلما مر بحي من أحياء العرب على طريق الشام، واقفهم على أن قريشا تحمل لهم البضائع، فيكفونهم حملها ويردون إليهم رءوس أموالهم وربحهم، فذلك الإيلاف، وأخذ هاشم الإيلاف لمن بينه وبين الشام، حتى قدم مكة فأتاهم بأعظم شيء ما أتوا به قط بركة، فخرجوا بتجارة عظيمة وخرج هاشم معهم يجوز بهم ويوفيهم الإيلاف الذي أخذ لهم من العرب، فلم يبرح يجمع بينهم وبين العرب حتى ورد الشام، ومات في تلك السفرة بغزة من أرض الشام (1).
ففي ذلك يقول مطرود الخزاعي ونظر إلى رجل كان نازلا في بني سهم ببنيات له وامرأة في مسغبة شديدة، فحولوه وأمروه أن ينتقل عنهم، فخرج يحمل متاعه وولده وخرج بامرأته لا يأويه أحد، فقال مطرود:
يا أيها الرجل المحول رحله
هلا حللت بآل عبد مناف
Page 37