أرحاما، يا معشر قريش إنكم جيران بيت الله عز وجل، أكرمكم الله بولايته واختصكم بجواره دون بني إسماعيل، وحفظ منكم أحسن ما حفظ جار من جواره، فاكرموا ضيفه وزوار بيته، فإنهم يأتونكم شعثا غبرا من كل بلد، فو رب هذا البيت لو كان مالي يحمل ذلك لكفيتكموه، ولكني مخرج من طيب مالي وحلاله ما لم يقطع فيه رحم، ولم يؤخذ بظلم ولم يدخل فيه حرام فواضعه، فمن شاء منكم أن يفعل من ذلك ما قدر عليه وأمكنه فعل، وأسألكم بحرمة هذا البيت ألا يخرج رجل منكم من ماله، لكرامة زوار البيت ومئونتهم إلا طيبا لم يؤخذ ظلما ولم يقطع فيه رحم، وكانت بنو كعب بن لؤي تجتهد كلها في ذلك، فإذا أخرجوا ما يخرجونه من أموالهم أتوا به هاشم بن عبد مناف فوضعوه في داره دار الندوة، حتى أن أهل البيت ليرسلون بالشيء اليسير على قدرهم، فيطعمون بذلك الحجيج (1).
وكان هاشم يأمر بحياض من أدم فتجعل في موضع زمزم، وذلك قبل أن تحفر وينقل الماء إليها فيشرب الحاج منها ويسقون، وكان يطعمهم بمكة قبل التروية ويوم التروية بمنى وعرفة وبجمع والمزدلفة، وكان يثرد لهم الخبز ويطعمهم اللحم والسمن والسويق والتمر، ويسقيهم اللبن ويحمل لهم الماء ، إلى أن ينفر الناس إلى بلدانهم، يفعل ذلك كل عام، ولذلك سمي هاشما، وسمي القمر، لشرفه وجماله، وفي ذلك يقول مطرود الخزاعي، وقد دعى إليه بعض من نازعه في خصومة:
إلى القمر الساري المقيم دعوته
ومطعمهم في الأزل من قمع الجزر (2)
وفيه يقول آخر:
عمرو الذي هشم الثريد لقومه
ورجال مكة مسنتون عجاف (3)
Page 36