ففضل لهم عشرة فأبوا من تركهم، فقال لهم يعمر: فإني أشدخ رءوس قتلاكم برجلي هذه، فإن أبيتم فاعدوا على الحرب. فرضوا وسلموا، ولذلك سمى يعمر الشداخ (1).
وبقى البيت في يد قصي وبنى دار الندوة، وهي أول دار بنيت بمكة، فلم يكن يعقد أمر تجتمع فيه قريش إلا فيها، وبقيت لولده من بعده.
قال محمد بن جبير بن مطعم بن عدي بن نوفل بن عبد مناف: وكان قصي بن كلاب أول من أصاب ملكا من ولد كعب بن لؤي أطاع له به قومه، وكانت إليه الحجابة والرفادة والندوة واللواء والسقاية وحكم مكة كله، وكان يعشر من دخل مكة من غير أهلها، وكان له شرف مكة كله، واتخذ دار الندوة وجعل بابها إلى البيت، وقطع مكة رباعا بين قريش، فأنزل لكل قوم من قريش منازلهم من مكة، وسمي مجمعا لما جمع أمر قريش، وتيمنت قريش به وشرفته وملكته، فما ينكح رجل من قريش امرأة ولا يعقدون عقدا ولا يتشاورون في أمر ولا يعقدون لواء حرب، إلا في دار الندوة بين يديه وهو يلي ذلك لهم، ولا تدرع جارية من قريش إلا في داره، ولا تخرج عير لقريش إلا من داره، ولا تنزل إذا قفلت إلا بها، وكانت قريش في حياته وبعد موته تتبع أمره كالدين المتبع، ونفى خزاعة من مكة (2).
ولما قسم مكة على قريش شكوا إليه كثرة الشجر بها، وأنهم تحرجوا من قطعها لما كان في الحرم، فنهاهم عن قطعه وقال: قد رأيتم صنع الله بخزاعة لما استخفت بالحرم، ولكن ابنوا فما مات منه في دوركم فلا عليكم في ذلك.
ففعلوا ذلك عن أمره ولم يتعدوا إلى غيره، وفيه يقول الشاعر:
Page 30