وكان رسول الله صلى الله عليه وآله مدة ذلك كله مجدا ومجتهدا في الدعاء إلى الله عز وجل، حريصا على أن يهدي الله به عباده، صابرا على أذى من يؤذيه، والقرآن ينزل عليه والوحي من الله عز وجل في كل وقت يأتيه، والآيات والبراهين تنبي عنه وتشهد له، وأعداءه من عبد شمس وبني أمية الذين قدمنا ذكرهم، ومن استمالوه إليهم مجتهدون في اعتراضه بالمكروه، يبغونه الغوائل وينصبون له الحبائل ويصدون عنه من قدروا عليه أن يصدوه من قومهم، وممن طرأ إليهم من غيرهم ممن سمع بخبره وانتهت إليه آياته، وعمه أبو طالب على النصرة والمكافحة دونه، لا يصل إليه أحد منهم بسوء معه إلا بالوقيعة واللمز والأذى باللسان، فكان صلى الله عليه وآله إذا ضاق صدره استراح إليه، وإذا دهمه من قريش أمر فرجه عنه، ووجد أيضا في حمزة رحمه الله عونا كثيرا ونفعا عظيما، وتحاماه كثير من سفهاء قريش من أجله.
[عام الحزن]
وكان إذا أوى إلى بيته وحدث خديجة بما يناله عزته في ذلك، ووجد إليها الراحة فيه وبذلت له مالها وقامت في خدمته بنفسها، فلم يكن له صلى الله عليه وآله ممن يستريح إليه ويجد الفرج لديه آثر عنده منها ومن عمه أبو طالب، فماتا جميعا في عام واحد، فعظم ذلك على رسول الله صلى الله عليه وآله واشتد حزنه له، وتطاول إليه سفهاء بني عبد شمس ومن والاهم من قريش لما مات أبو طالب، فنالوا منه بالأذى وضعف أمر بني هاشم بعد أبي طالب، وكان رسول الله صلى الله عليه وآله يقول: «ما نالت مني قريش شيئا أكرهه حتى مات أبو طالب».
فلم يكن لرسول الله صلى الله عليه وآله بعد أبي طالب أحد يستريح إليه ويتضرح عنده بما لديه غير علي بن أبي طالب، فإنه بلغ مبلغ الرجال، وأيده الله عز وجل به وخصه بأخوته ووصيته، فكان بعد أبيه يستريح ويعول في أسبابه عليه، إلى أن كثر أذى أعداءه له، وأذن الله عز وجل بالهجرة له، وحرمهم خيره وأزال عنهم بركته، فهاجر
Page 130