188

لا، لا. يجب أن أبكي! لا بد أن أبكي! أيتها الدموع الملعونة! لماذا تهربين حين أطلبك، وتفاجئينني دون أن أدعوك؟ لماذا تمتنعين وكل شيء يدعو إلى البكاء؟ هل جئت هنا إلا لأبكي معها؟ ألم أقسم لسيدتي أن أموت معها؟ فكيف أراها تغرق في بحر دموعها بينما أقف أنا على الشاطئ؟ لأفكر قليلا، لماذا يجب أن أبكي؟ هل هذا شيء يحتاج لتفكير؟ لا، لا، اذهب أيها الفكر. لا تكن سدا يوقف نهر دموعي، أبكي بالطبع على سيدي، الرجل الفاضل الذي تركنا منذ ثلاثة أيام، أبكي الفضيلة نفسها. صمته ووحدته وإشاراته الطيبة لي، مجده وشهرته على كل لسان في المدينة. (تحاول أن تبكي)

تبا لي، ولكن الدموع لا تريد أن تأتي. إذن فلأبك سيدتي حبيبة أفروديت الجميلة التي تقتل جمالها بيديها، عروس البحر الفاتنة التي تذوي على الرمال وتنعي حظها، ها هي آلهة النوم تضعها على صدرها بعد أن مزقت خدودها، وجرحت عينيها من البكاء. ومع ذلك فلم تسقطي أيتها الدموع الجاحدة، وأنا أعزيها وأحاول أن أصبرها، لم تسقط قطرة واحدة منك حين كان ينبغي أن تنهمري كالمطر في ليلة عاصفة. وا خجلي منك! وا خيبة أملي فيك! كيف يسمح لي خارون بركوب قاربه بعيون لم تندها الدموع؟ كيف يكون نهر الموت إن لم يكن من دموعنا؟ إذن فلأجرب أن أبكي على زوجي. نعم، نعم، أنا أيضا كان لي زوج، وكم أشتاق إلى الوغد! ولكنه خانني وغدر بي. لا، لا، إنه لا يستحق دمعة واحدة. آه بل إن ذكراه تكاد تضحكني، لا بد أن أبكي لأنني لا أستطيع أن أبكي، حتى عندما رأيتهم يبكون لم تسقط قطرة على خدي، لم أحس ملمسها على يدي. انصرفوا وهم يبكون، رجال المدينة ونساؤها الطيبون. بكوا عليك يا سيدي وقطعوا أوتار القلوب، ولكنني صرفتهم ووقفت أودعهم كأنني تمثال من الحجر. آه يا سيدتي الجميلة! يا سيدتي الحزينة! (تطل عليها فتجدها لا تزال مستسلمة للنوم)

ثلاثة أيام وثلاث ليال لا تأكلين ولا تشربين، نذرت الصوم والعطش وفشلت كل محاولاتي معك. ربما لو أكلت وشربت كأسا واحدة ... ربما أبكي عندئذ كما أريد وأكثر مما أريد. ربما ربما. ولكن من أين وقد حرمت علي أن أحضر معي الزاد والماء؟ ثم إنني أقسمت أن أشاركها كل شيء. فكيف يا عيني لا تشاركان عينيها؟ ها هي ذي تحرك رأسها الجميل، وشعلة المصباح تحرك رأسها النحيل أيضا، تريد أن تنطفئ كما تنطفئ حياتها وحياتي. فلأدخل إليها سريعا وأسقيها قطرات من الزيت. حتى المصباح لا يمكنه الصمود للعطش والجوع. (تفتح الباب وتدخل، تتحرك سيدتها قليلا ثم تسكن. الخادمة تضع الزيت في المصباح وتتأملها.)

آه يا سيدتي! عندما أتصور جسدك ممددا بجانبه كالوردة الجميلة الذابلة، وأنا أيضا بجانبك كشجرة البلوط اليابسة ، والظلام من حولنا بعد أن ينطفئ المصباح. لا، لا، سيضيء مصباح جسدك هذا الضريح، سترف حوله فراشات الطهر والوفاء، وترقص حوله وتدور كالباخيات في سكرة الحب والنشوة. وأنت يا سيدي المسكين (تقترب منه وتتأمله) ، دائما صامت ووحيد، سترقبنا كما كنت تفعل في حياتك وتوصد عليك أبواب حكمتك. هل يرضيك أن تموت من أجلك؟ هل يسرك أن أموت أنا أيضا؟ أرأيتها وهي تشق صدرها وتدمي وجهها وتنثر التراب على شعرها؟ آه! لماذا أكلمك وأنت كما كنت دائما صامت ووحيد؟ (تتحرك الأرملة ثم تهتف.)

الأرملة :

دعني ... دعني.

الخادمة (تسرع إليها) :

سيدتي، هل صحوت؟

الأرملة :

قلت لك دعني ... دعني.

Unknown page