فلما علم أمين بك وزوجته بذلك، تفاوضوا فيما يفعلون، فقر رأيهم على مرافقة الأمير إلى حيث يتوجه، فرافقوه جميعا.
وفي شهر تشرين أول (أكتوبر) سنة 1840م وصل الأمير بشير وجماعته إلى صيدا، فاستقبله حاكمها خالد باشا بالإكرام وأمره أن يتوجه بحرا إلى بيروت، فتوجه إليها ومعه جميع حاشيته وأولاده وأسرة أمين بك.
فلما وصلت الباخرة إلى ميناء بيروت، بعث السر عسكر يسأل الأمير أن يختار له مكانا يقيم فيه غير سوريا ومصر وفرنسا، فاختار مالطة، فصدرت بذلك الأوامر، فأقلعت الباخرة بهم إلى مالطة. ولا تسل عن عواطف أهل تلك الباخرة عندما تحققوا من أمر إبعادهم عن ذلك الجبل الجيد الهواء، فظلوا وهم في البحر يتأملون ربا لبنان الشاهقة وما يكسوها من البساتين والغياض، وما عند سفحه من المباني حتى توارت عن أبصارهم.
وبقي الأمير بشير في مالطة أحد عشر شهرا، ثم سار إلى الآستانة، فلما وصل إليها نزل بإكرام جزيل. وفي اليوم الثاني من دخوله دعاه الصدر الأعظم رءوف باشا للمقابلة، ونظرا لما سبق له من النفور منه لاتحاده مع الجيوش المصرية، أمر أرباب مجلسه أنه إذا دخل الأمير بشير لا يقفون له تحقيرا لمقامه، فقالوا: «سمعا وطاعة.» أما بشير فاستعد لمقابلة الصدر الأعظم، وقد علمت ما هو عليه من الهيبة، فوق هيبة كبر السن واتساع لحيته واسترسال شعرها على صدره، وتدلي حاجبيه فوق عينيه.
فلما دخل قاعة الصدارة وقف الصدر الأعظم أولا، ثم وقف سائر الوزراء، وبعد أن قضى برهة يتحادث في شئون مختلفة انصرف. فقال الوزراء للصدر الأعظم: «أمرتنا ألا نقف لهذا الرجل، ورأيناك أول الواقفين!» فقال: «والله لا أعلم ما الذي أوقفني بالرغم من إرادتي، حالما شاهدت وجه هذا الرجل، ولم أكن أظن أن على وجه الأرض رجلا بهذه الهيبة.»
وأمرت الدولة للأمير بدار في قرية أرناءوط كوي على خليج المدينة. وأما غريب، فكان مشتغلا عن كل شيء بمناظر الآستانة ومبانيها لأنه لم يكن شاهد مثل هذه العاصمة قط. وبالإجمال فإن أمين بك وسلمى وسليما وغريبا عدوا أنفسهم من أسعد البشر بعد اجتماع شملهم، وقد تزوج الولدان وصاروا كلهم يشكرون الله على كل حال.
وفي السنة الثانية توفي الأمير ودفن في الآستانة، ولم نعد نسمع شيئا عن عائلة أمين بك من ذلك الحين.
Unknown page