إن هذا المملوك قد عرفنا بنجاته، وأنه ملتجئ إلى بعض القبائل البدوية في هذه الجهات، وقد كان في عزم والدي أن يقتله حالما يعلم بمكانه، على أنه لم يكن مصرا هذا الإصرار على غيره من المماليك. ولكنني أعلم أنكم مكرمون لديه، فلا شك في أنه يجيب طلبكم، ومع ذلك فإني بعد أن أعود من السفر، سأعرض هذا الأمر عليه.
الأمير :
أشكركم شكرا عظيما أيها الوزير، وإني إذا لم أستطع خدمة هذا الرجل في شيء فلن يستريح ضميري.
الباشا :
طب نفسا فسيكون ما تريد إن شاء الله.
وبعد ختام الحديث في هذا الموضوع انتقلا إلى البحث في موضوعات أخرى، فسأله الأمير عن حرب الوهابيين، وما كان من أمره فأفاض الباشا في شرح ذلك، ثم حضر الطعام فتناولوه، وانتهى ذلك اليوم. وفي اليوم التالي سافر إبراهيم باشا إلى الجهة التي كان يقصدها، وعاد يسير إلى القاهرة.
محمد علي باشا
وأقام الأمير بشير في جهات بني سويف بضعة أشهر، حتى ورد إليه كتاب العزيز بالحضور إلى مدينة القاهرة؛ لأنه جاء من الإسكندرية، وكان غريب قد شفي تماما. وكان سليمان قد علم بما دار بين الأمير بشير وإبراهيم باشا في شأنه واطمأن خاطره، فلما وصلوا إلى القاهرة، نزلوا في قصر بضواحيها كان قد أعده محمد علي لسكنى الأمير ومن معه، ثم أرسل إليه خمسة من جياد الخيل وطلب إليه أن يأتي إلى قصره بالقلعة.
فنهض الأمير وسار معه ولداه وغريب للسلام على عزيز مصر، فدخلوا القلعة حتى بلغوا «السراي» فوقف لهم الحراس إجلالا، ودخلوا غرفة الاستقبال المفروشة أرضها بالسجاد والبسط فإذا بمحمد علي باشا جالس على وسادة، وفي إحدى يديه سبحة وفي الأخرى مذبة، فوقف محمد علي لاستقبال الأمير ورحب به كثيرا، وأجلسه إلى جانبه، ورحب بأولاده بعد أن عرفه الأمير بهم. وكان غريب أكثر اندهاشا بتلك المقابلة الرسمية من الجميع لأنه لم يسبق له رؤية مثلها.
فنظر غريب إلى محمد علي باشا، فألفاه ربعة في الرجال عالي الجبهة واسعها بارز الحاجبين، أسود العينين، صغير الفم باسمه، كبير الآنف، متناسب الملامح مع هيبة ووداعة، ولباسه في غاية البساطة، وعلى رأسه الطربوش الجهادي.
Unknown page