ودسست العصا المشتعلة في أعماق المنار، بين أوراق الشجر والأغصان الجافة في قلب المنار، واشتعلت فيه النار على الفور تقريبا، وسرعان ما سمعت أزيز ألسنة اللهب وهي تضطرم في الخشب، بل وتكاد تلمسنا أطرافها حيثما وجهتها الرياح. وتراجعنا من شدة اللظى والحرارة المفاجئة. وأحسست بخيبة الأمل لكثرة ألسنة اللهب، إذ كنت أنشد الدخان، لا النار. كنت أريد سحابات دخان تصعد في الجو.
وقال كنسوكي: «لا تقلق يا ميكاسان. سوف يشاهدون هذا قطعا. سترى.»
وتناوبنا استعمال المنظار المقرب. ولكن اليخت لم يستدر. لم يشاهدوا النار. وكان الدخان قد بدأ يمور صاعدا في السماء. وباستماتة ألقيت المزيد والمزيد من الخشب في النار، حتى أصبحت جحيما هادرا من ألسنة اللهب والدخان الكثيف.
وكنت قد ألقيت آخر الخشب الذي لدينا تقريبا في النار حين قال كنسوكي فجأة: «ميكاسان! إنها قادمة. أظن أن السفينة قادمة.»
وأعطاني المنظار المقرب. كان اليخت يستدير. كان يستدير قطعا، وإن كنت لم أستطع أن أتبين إن كان يستدير باتجاهنا أو بعيدا عنا. وقلت له: «لا أدري. لست واثقا.»
وأخذ مني المنظار المقرب وقال: «أؤكد لك يا ميكاسان أن السفينة قادمة نحونا، لقد رأونا. واثق كل الثقة. إنها قادمة إلى هذه الجزيرة.»
وبعد لحظات عندما ملأت الريح الشراعين، تأكدت أنه على حق وتبادلنا الأحضان على قمة التل بجانب المنار المتقد. وبدأت أتواثب في مكاني كالمجنون، وغضبت ستلا مني. وكنت كلما نظرت في المنظار المقرب الآن أرى اليخت يزداد اقترابا.
وقلت: «إنه يخت كبير، لا أستطيع أن أرى رايته. لكن جسم السفينة أزرق أدكن، مثل بيجي سو»، وفي تلك اللحظة فقط، لحظة النطق باسم السفينة عاليا، بدأت آمل أن تكون هي، وتدريجيا تحول الأمل إلى اعتقاد، وتحول الاعتقاد إلى يقين. ورأيت قبعة زرقاء، قبعة والدتي الزرقاء. إنهما هما! إنهما هما! وهتفت وأنا ما زلت أنظر من خلال المنظار المقرب: «كنسوكي! كنسوكي! إنها السفينة بيجي سو. إنها هي. لقد عادا من أجلي، لقد عادا.» ولكن كنسوكي لم يرد. وعندما نظرت حولي اكتشفت أنه غير موجود.
وجدته جالسا في مدخل منزل الكهف، وكرة القدم في حجره. ورفع بصره إلي، وكنت أعرف من نظرات عينيه ما كان يوشك أن يقوله لي.
وقف ووضع يديه على كتفي، وصوب إلى عيني نظرة عميقة، وقال: «أصغ إلي الآن جيدا يا ميكاسان. إنني عجوز جدا لا أستطيع التوافق مع ذلك العالم الجديد الذي تحكي عنه. إنه عالم مثير جدا، لكنه ليس عالمي، عالمي كان اليابان، من زمن بعيد جدا. والآن أصبح عالمي هنا. لقد فكرت في الأمر طويلا. إذا كانت كيمي على قيد الحياة، وكذلك ميشيا، فسوف يظنان أنني مت منذ زمن بعيد. سأصبح مثل شبح يعود إلى المنزل. لم أعد نفس الشخص، ولم يعودا ما كانا عليه. أضف إلى ذلك أن لي أسرة هنا. أسرة السعالي. لربما عاد القتلة من جديد. من الذي يرعاها إذن؟ لا! سوف أبقى في جزيرتي. هذا مكاني. هذه مملكة كنسوكي. لا بد أن يبقى الإمبراطور في مملكته، ويرعى شعبه. الإمبراطور لا يهرب. ليس أمرا مشرفا.»
Unknown page