صلى الله عليه وسلم
في تدوين الدواوين، وقد كان اتبع رأي أبي بكر في التسوية بين الناس، فلما جاء فتح العراق شاور الناس في التفضيل، ورأى أنه الرأي، فأشار عليه بذلك من رآه، وشاورهم في قسمة الأرضين التي أفاء الله على المسلمين من أرض العراق والشام، فتكلم قوم فيها وأرادوا أن يقسم لهم حقوقهم وما فتحوا، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: فكيف بمن يأتي من المسلمين فيجدون الأرض بعلوجها قد اقتسمت وورثت عن الآباء وحيزت، ما هذا برأي. فقال له عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه: فما الرأي؟ ما الأرض والعلوج إلا مما أفاء الله عليهم. فقال عمر: ما هو إلا كما تقول ولست أرى ذلك، والله لا يفتح بعدي بلد فيكون فيه كبير نيل، بل عسى أن يكون كلا على المسلمين، فإذا قسمت أرض العراق بعلوجها، وأرض الشام بعلوجها فما يسد به الثغور، وما يكون للذرية والأرامل بهذا البلد وبغيره من أهل الشام والعراق؟
فأكثروا على عمر رضي الله تعالى عنه وقالوا: أتقف ما أفاء الله علينا بأسيافنا على قوم لم يحضروا ولم يشهدوا، ولأبناء القوم ولأبناء أبنائهم ولم يحضروا؟ فكان عمر رضي الله عنه لا يزيد على أن يقول: هذا رأي. قالوا: فاستشر. قال: فاستشار المهاجرين الأولين فاختلفوا، فأما عبد الرحمن بن عوف رضي الله تعالى عنه فكان رأيه أن تقسم لهم حقوقهم، ورأى عثمان وعلي وطلحة وابن عمر رضي الله عنهم رأي عمر، فأرسل إلى عشرة من الأنصار: خمسة من الأوس، وخمسة من الخزرج من كبرائهم وأشرافهم، فلما اجتمعوا حمد الله وأثنى عليه بما هو أهله، ثم قال: إني لم أزعجكم إلا لأن تشتركوا في أمانتي فيما حملت من أموركم، فإني واحد كأحدكم وأنتم اليوم تقرون بالحق، خالفني من خالفني ووافقني من وافقني، ولست أريد أن تتبعوا هذا الذي هواي، معكم من الله كتاب ينطق بالحق، فوالله لئن كنت نطقت بأمر أريده ما أريد به إلا الحق. قالوا: قل نسمع يا أمير المؤمنين. قال: قد سمعتم كلام هؤلاء القوم الذين زعموا أني أظلمهم حقوقهم، وإني أعوذ بالله أن أركب ظلما، لئن كنت ظلمتهم شيئا هو لهم وأعطيته غيرهم، لقد شقيت، ولكن رأيت أنه لم يبق شيء يفتح بعد أرض كسرى، وقد غنمنا الله أموالهم وأرضهم وعلوجهم، فقسمت ما غنموا من أموال بين أهله، وأخرجت الخمس فوجهته على وجهه وأنا في توجيهه، وقد رأيت أن أحبس الأرضين بعلوجها، وأضع عليهم فيها الخراج، وفي رقابهم الجزية يؤدونها فتكون فيئا للمسلمين؛ المقاتلة والذرية، ولمن يأتي من بعدهم، أرأيتم هذه الثغور لا بد لها من رجال يلزمونها؟ أرأيتم هذه المدن العظام كالشام والجزيرة والكوفة والبصرة ومصر، لا بد لها من أن تشحن بالجيوش وإدرار العطاء عليهم؟ فمن أين يعطى هؤلاء إذا قسمت الأرضون والعلوج؟ فقالوا جميعا: الرأي رأيك، فنعم ما قلت وما رأيت، إن لم تشحن هذه الثغور وهذه المدن بالرجال وتجري عليهم ما يتقوون به، رجع أهل الكفر إلى مدنهم. فقال : قد بان لي الأمر، فمن رجل له جزالة وعقل يضع الأرض مواضعها ويضع على العلوج ما يحتملون؟ فاجتمعوا له على عثمان بن حنيف، وقالوا: تبعثه إلى أهم ذلك، فإن له بصرا وعقلا وتجربة.
فأسرع إليه عمر فولاه مساحة أرض السواد، فأدت جباية سواد الكوفة قبل أن يموت عمر رضي الله تعالى عنه بعام، مائة ألف ألف درهم، والدرهم يومئذ درهم ودانقان ونصف، وكان وزن الدرهم يومئذ وزن المثقال.
قال: وحدثني الليث بن سعد، عن حبيب بن أبي ثابت قال: إن أصحاب رسول الله
صلى الله عليه وسلم
وجماعة من المسملين أرادوا عمر بن الخطاب رضي الله عنه أن يقسم الشام كما قسم رسول الله
صلى الله عليه وسلم
خيبر، وأنه كان أشد الناس عليه في ذلك الزبير بن العوام وبلال بن رباح، فقال عمر رضي الله تعالى عنه: إذن أترك من بعدكم من المسلمين لا شيء لهم. ثم قال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه. قال: فرأى المسلمون أن الطاعون الذي أصابهم بعمواس كان عن دعوة عمر. قال: وتركهم عمر رضي الله عنه ذمة يؤدون الخراج للمسلمين.
قال: وحدثني محمد بن إسحاق، عن الزهري أن عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه استشار الناس في السواد حين افتتح، فرأى عامتهم أن يقسمه، وكان بلال بن رباح من أشدهم في ذلك، وكان رأي عمر رضي الله تعالى عنه أن يتركه ولا يقسمه، فقال: اللهم اكفني بلالا وأصحابه. ومكثوا في ذلك يومين أو ثلاثة أو دون ذلك، ثم قال عمر رضي الله تعالى عنه: إني قد وجدت حجة؛ قال الله تعالى في كتابه: )
Unknown page