180

Maliyat Misr

مالية مصر من عهد الفراعنة إلى الآن

Genres

حدثنا هشام بن إسحاق العامري، عن الليث بن سعد، عن عبيد الله بن أبي جعفر قال: سألت شيخا من القدماء عن فتح مصر، فقال: هاجرنا إلى المدينة أيام عمر بن الخطاب وأنا محتلم فشهدت فتح مصر. قلت له: فإن ناسا يذكرون أنه لم يكن لهم عهد. فقال: ما يبالي ألا يصلي من قال إنه ليس لهم عهد. فقلت: فهل كان لهم كتاب؟ فقال: نعم، كتب ثلاثة؛ كتاب عند طلما صاحب اخنا، وكتاب عند قزمان صاحب رشيد، وكتاب عند يحنس صاحب البرلس. قلت: كيف كان صلحهم؟ قال: دينارين على كل إنسان جزية وأرزاق المسلمين. قلت: فتعلم ما كان من الشروط؟ قال: نعم، ستة شروط؛ لا يخرجون من ديارهم، ولا تنزع نساؤهم، ولا كفورهم، ولا أرضيهم، ولا يزاد عليهم. وحدثنا يحيى بن عبد الله بن بكير، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أنه حدثه عن أبي جمعة مولى عقبة قال: كتب عقبة بن عامر إلى معاوية بن أبي سفيان يسأله أرضا يسترفق فيها عند قرية عقبة، فكتب له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع، فقال له مولى له كان عنده: انظر أصلحك الله أرضا صالحة. فقال عقبة: ليس لنا ذلك، إن في عهدهم شروطا ستة؛ ألا يؤخذ من أنفسهم شيء، ولا من نسائهم، ولا من أولادهم، ولا يزاد عليهم، ويدفع عنهم موضع الخوف من عدوهم، وأنا شاهد لهم بذلك.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن وهب، عن أبي شريح عبد الرحمن بن شريح، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن أبي جمعة حبيب بن وهب قال: كتب عقبة بن عامر إلى معاوية يسأله بقيعا في قرية يبني فيه منازل ومساكن، فأمر له معاوية بألف ذراع في ألف ذراع، فقال له مواليه ومن كان عنده: انظر إلى أرض تعجبك فاختط فيها وابتن. فقال: إنه ليس لنا ذلك، لهم في عهدهم ستة شروط، منها أن لا يؤخذ من أرضهم شيء، ولا يزاد عليهم، ولا يكلفوا غير طاقتهم، ولا يؤخذ ذراريهم، وأن يقاتل عنهم عدوهم من ورائهم. حدثنا عبد الله بن صالح، حدثنا يحيى بن أيوب، عن عبيد الله بن أبي جعفر، عن رجل من كبراء الجند قال: كتب معاوية بن أبي سفيان إلى وردان أن زد على كل رجل منهم قيراطا، فكتب وردان إلى معاوية: كيف تزيد عليهم وفي عهدهم أن لا يزاد عليهم شيء؟ فعزل معاوية وردان، ويقال: إن معاوية إنما عزل وردان كما حدثنا سعيد بن عفير أن عتبة بن أبي سفيان وفد إلى معاوية في نفر من أهل مصر، وكان معاوية ولى عتبة الحرب ووردان الخراج وحويت بن زيد الديوان، فسأل معاوية الوفد عن عتبة، فقال عبادة بن صمل المعافري: حوت بحر يا أمير المؤمنين ووعل بر. فقال معاوية لعتبة: اسمع ما تقول فيك رعيتك. فقال: صدقوا يا أمير المؤمنين، حجبتني عن الخراج ولهم علي حقوق، وأكره أن أجلس فأسأل فلا أفعل فأبخل. فضم إليه معاوية الخراج.

حدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب وابن وهب، عن عمرو بن الحرث، عن يزيد بن أبي حبيب، عن عوف بن حطان أنه قال: كان لقريات من مصر منهم أم دنين وبلهيب عهد، وأن عمر بن الخطاب رضي الله عنه لما سمع بذلك كتب إلى عمرو بن العاص يأمره أن يخيرهم، فإن دخلوا في الإسلام فذلك، وإن كرهوا فارددهم إلى قراهم. قال: وحدثنا عبد الملك بن مسلمة، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب، عن يحيى بن ميمون الحضرمي قال: لما فتح عمرو بن العاص مصر صولح على جميع من فيها من الرجال من القبط ممن راهق الحلم إلى ما فوق ذلك، ليس فيهم امرأة ولا صبي ولا شيخ، على دينارين دينارين، فأحصوا لذلك فبلغت عدتهم ثمانية آلاف ألف.

حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن وهب قال: سمعت حيوة بن شريح قال: سمعت الحسن بن ثوبان الهمداني يقول: حدثني هشام بن أبي رقية اللخمي أن عمرو بن العاص لما فتح مصر قال لقبط مصر: إن من كتمني كنزا عنده فقدرت عليه قتلته، وإن نبطيا من أهل الصعيد يقال له بطرس ذكر لعمرو أن عنده كنزا، فأرسل إليه فسأله فأنكر وجحد، فحبسه في السجن وعمرو يسأل عنه هل يسمعونه يسأل عن أحد؟ فقالوا: لا، إنما سمعناه يسأل عن راهب في الطور. فأرسل عمرو إلى بطرس فنزع خاتمه من يده ثم كتب إلى ذلك الراهب: أن ابعث إلي بما عندك وختمه بخاتمه، فجاءه رسوله بقلة شأمية مختومة بالرصاص، ففتحها عمرو فوجد فيها صحيفة مكتوبا فيها: ما لكم تحت الفسقية الكبيرة. فأرسل عمرو إلى الفسقية فحبس عنها الماء، ثم قلع البلاط الذي تحتها فوجد فيها اثنين وخمسين إردبا ذهبا مضروبة، فضرب عمرو رأسه عند باب المسجد، فذكر ابن أبي رقية أن القبط أخرجوا كنوزهم شفقا أن يبغى على أحد منهم فيقتل كما قتل بطرس. حدثنا عثمان بن صالح، حدثنا ابن لهيعة، عن يزيد بن أبي حبيب أن عمرو بن العاص استحل مال قبطي من قبط مصر؛ لأنه استقر عنده أنه يظهر الروم على عورات المسلمين ويكتب إليهم بذلك، فاستخرج منه بضعة وخمسين إردبا دنانير.

قال: ثم رجع إلى حديث يحيى بن أيوب وخلد بن حميد قال: ففتح الله أرض مصر كلها بصلح غير الإسكندرية وثلاث قريات ظاهرت الروم على المسلمين؛ سلطيس، ومصيل وبلهيب، فإنه كان للروم جمع فظاهروا الروم على المسلمين، فلما ظهر عليها المسلمون استحلوها، وقالوا هؤلاء لنا فيء مع الإسكندرية، فكتب عمرو بن العاص بذلك إلى عمر بن الخطاب، فكتب إليه عمر: أن تجعل الإسكندرية وهؤلاء الثلاث قريات ذمة للمسلمين ، ويضربون عليهم الخراج، ويكون خراجهم وما صالح عليه القبط كله قوة للمسلمين، ولا يجعلون فيئا ولا عبيدا. ففعلوا ذلك إلى اليوم. ا.ه.

ويستنتج من تلاوة ما تقدم أن عمر بن الخطاب أبى أن يجيب مطالب أولئك الذين كانوا تحت إمرة عمرو من مصادرة الأراضي وتقسيمها بينهم، وأنه تركها لذويها وفرض عليهم الخراج.

وبما أنه لم يذكر في حكمه هذا الأسباب التي حملته على إصداره بطريقة واضحة، فقد أدى ذلك إلى حدوث الخلاف الذي سبقت الإشارة إليه بين مختلفي المؤلفين؛ إذ يرجح أنه بناه على ما له من الحق المخول له من الشريعة في اتخاذ ما تقضي به المصلحة، كما يحتمل أنه بناه على أن البلد سلم بموجب معاهدة، ونحن نرى أن هذه المسألة تفسر بالطريقة الآتية، وهي: إن فتح العرب لمصر تم في طورين:

الأول:

يبتدئ من وقت الإغارة عليها وينتهي بإبرام المعاهدة مع المقوقس، وكانت مصلحة الروم فيه مرتبطة بمصلحة القبط، كما كان العرب في حالة حرب مع الاثنين بلا نزاع.

والثاني:

Unknown page