فنهضت سيدة على القدمين وقد انزعجت، وأخذت تتمشى في الحجرة شمالا ويمينا وتناجي نفسها بقولها: لا بد لي من تذليل المصاعب وبالرغم أن زواجه بسعدى فهو نصيب لن يفوته البتة، ولا بد لي من إبعاد صاحبته عفيفة، ولي القدرة على ذلك. ثم التفتت إلى أخيها همام، وقالت له: أشكرك كثيرا على ما أخبرتني وكشفت من الأمور، وفي الوقت سعة لإنقاذ فؤاد من هوى عفيفة، فإن واجباتي الوالدية تجبرني على القيام بهذا الأمر، والفائدة عائدة إلي فؤاد لا إلي، فأرجوك أن تحفظ كلامي في سرك، فلا تتدخل بعد الآن في هذه المسألة، ودعني أنا أدبر وحدي.
قال: بالحق نطقت، فقد - والله - أتعبتني هذه المسألة جدا وأقلقت راحتي، فلن أهتم بها الآن، على أني لا أرى فائدة من حضور غانم إليك بعد هذا الذي جرى.
قالت: لا مانع من حضوره، ثق بي، فإني أحسن التدبير، أقطع بيد وأصل بأخرى.
قال: لا شك عندي في قدرتك وإقدامك على عظيم الأمور، أنجح الله مسعاك وجعل الختام خيرا.
ثم إن هماما لبث عند أخته برهة من الزمان ثم خرج إلى حال سبيله.
الفصل الرابع عشر
لبثت سيدة في مكانها بعد خروج أخيها وبالها مضطرب وفي النفس انقباض، وقد حارت من معاكسة الزمان لها، فاستدعت الخادم وقالت: إن جاء أحد يسأل عني فأخبره أني غائبة، ولا تدخل علي غير ابني فؤاد، وقد صادف أن ابنها فؤادا غاب تلك الليلة، فلم يحضر في ميعاده فزاد قلقها، وجعلت ترجم الظنون، واستولت عليها الأفكار واضطراب البال حتى قرعت الساعة إحدى عشرة، فجاء الخادم بخبر قدوم فؤاد، فسكن اضطرابها قليلا، فلما دخل عليها بادرته بالعتاب قائلة: لماذا تأخرت يا ولدي عن ميعادك؟ فقد أقلقت بالي وكدرت راحتي، أخبرني أين كنت؟ وماذا عملت؟
قال: ذهبت مع بعض الخلان إلى النزهة، فلم يمكني مفارقتهم.
قالت: من علمك الكذب يا فؤاد، وأنت تخفي عني الحقيقة، وتقص علي القصص الملفقة، وهذه أول مرة سمعتك تنطق بالكذب، فوالله إني لأفضل لنفسي الموت من أن أراك متخلقا بهذه الأطوار، ولا شيء عندي مثل الكذب يشين صاحبه، ويضع من مقداره، ويجعله سخرية بين الناس، فوصيتي إليك يا ولدي العزيز أن تجتنبه، وبعد فإني قابلت خالك هماما، فقص علي قصتك تماما، ولم يكتم عني شيئا.
قال فؤاد: إن خالي لا يعلم قصتي، فإن شئت رويت لك الحقيقة.
Unknown page