قال: لا ريب في ذلك، فقد علمت أن له في المجالس دعوى منظور فيها، وسيصحب معه ابنته، ومن الضرورة أنه يفتش على خاطب لها، وإلا فلو كانت الدعوة هي السبب الوحيد في حضوره لم يكن موجب لحضور ابنته معه، ولا أراه إلا راغبا في أن يزوجها برجل شريف الأصل كريم الحسب كفؤاد، وأنت راغبة في زواج فؤاد بفتاة كثيرة الغنى كسعدى، وهذه الفتاة تحبه محبة شديدة، وكذلك أخوها سعيد جعل نفسه وفقا لخدمتنا ابتغاء تيسير المشروع.
قالت: كيف نستأنف المخابرة معه، وفي الأمر حطة وتنازل ووضع من قدرنا.
قال: كلى إلي التدبير، فأجتمع به بطريقة يظنها من قبل الصدقة، فإنه لمحبته الفخار يرغب في مرافقتي، فأعزم عليه بالركوب معي في العربة، وأجيء به إليك، ونسوق الحديث في الأمر الذي نبتغيه.
قالت: فهمت إشارتك، والأمر في رأيك هين، فهل يكون مثل ذلك هينا من جهة فؤاد؟
قال: صدقيني، هنا الصعوبة الكلية ولعلنا نبلغ المراد، وفي قصدي أن أقابله اليوم وأعود غدا فأخبرك بما يكون قد تم.
ثم إن هماما نهض ليذهب فشيعته سيدة إلى قرب الباب، وعادت وهي تقول: ليت فؤادا يقتنع، كانت سعدى شنيعة في الأصل، فكيف بها الآن وقد عرتها آفة الجدري؟ فلا شك أنها أصبحت في صورة إبليس اللعين تعاف العين رؤياها.
وكان خادم همام ينتظر قابضا بيده على رسن حصان الركوب، فامتطاه همام قاصدا مصر العتيقة، وفي عزيمته أن ينتظر فؤادا إن لم يقابله، وبينما هو سائر في طريقه رأى راكبا مارا بقربه، فتأمله فإذا هو فؤاد بعينه، فهمز الجواد جريا في أثره حتى أدركه، فجعل يده على كتفه وكلمه مباسطا بقوله: ما تصلح أن تكون من فرسان العرب، فقد جريت على عادة معيبة في الركوب، بأنك تنحرف إلى الأمام، فقد يحصل بذلك خطر عليك، كأن يخطئ الحصان الحركة وقربوس السرج حاد فيولج في صدرك.
فانذعر فؤاد من سماع صوت خاله، فأجاب مبتسما وقد عراه الاحمرار في وجهه: ما كنت متوقعا مقابلتك في هذا المكان، فلعلك تقصد النزهة.
قال همام: ليس إلا النزهة، فتعال نتروح معا.
قال فؤاد: لا يمكنني لسوء الحظ أن أرافقك مديدا، مضطر لزيارة بعض أصحابي قريبا من المكان الذي نحن فيه.
Unknown page