فقال فؤاد متعجبا: ألها ستة أصابع في القدم؟
قال سعيد: نعم، في القدم الشمال، وكنت عزمت على أن أكتمك الأمر شفقة عليها، فزالت من قلبي الشفقة إذ أراها تعيبني، فسترى أينا يغلب صاحبه، واعلم أن أختي لرغبتها في إخفاء هذا التشويه تحب أن تترك نصف ثروتها لمن يذهبه عنها.
قال فؤاد: والله ما أراك إلا مازحا.
قال سعيد: لا أمزح، والله هو أمر عاينته بنفسي، وستعاينه حين تتزوج بأختي، وقد رأيتها تنوح وتبكي كثيرا، وأبي يسليها بقوله: لا تزعلي فزيادة إصبع في الرجال أو النقصان لا يضر إذ لا يزيد في ثمن الأحذية.
وسكب سعيد ما بقي من الكونياك في كأسه، وقد أفرغ القنينة واتكأ على كرسيه كمن يبغي الرقاد.
وكان فؤاد يقول في نفسه: شكرا لك أيها الكونياك، لولاك لم أعلم شيئا مما علمت، ولولاك لسقطت في هوة لا خلاص منها إلا بانقضاء العمر، مصائب قد اجتمعت، فشعر اصطناعي، وسن مفقودة، وإصبع زائد في القدم، ووجه دميم، وأخلاق قبيحة ذميمة، معائب ندر اجتماعها في الشخص الواحد، شكرا لك ولله درك أيها الكونياك، ما أعظم سلطانك على العقل، وأقدرك على كشف الحقائق، فعلي أن أخبر خالي ووالدتي بجميع ما سمعت؛ لأعلم كيف يكون الرأي عندهما، وكيف تكون حجتهما في قلب هذه المعائب محاسن في المرأة.
ثم إن سعيدا قال وعيناه مغمضتان من شدة السكر: سقيتني يا فؤاد كثيرا، فأنا الآن لا أملك قوة للقيام، ودارت الخمرة في رأسي، فلا أعلم أين نحن، أحجرتي بعيدة عني؟
قال فؤاد: كلا، إنها على بعد خطوات قليلة.
قال سعيد: ادفع ثمن المشروب واخرج بنا، فلعل دكان الخياطة مفتوح بعد لأشاهد البنت الشقراء التي سلبت عقلي، وأضاعت رشدي.
قال فؤاد: أراك بها هائما ولها.
Unknown page