قال همام: ليس بين الأصدقاء تكليف، إنهم يحصل الرحب لهم أية ساعة حضروا.
قال سعيد: لعله لا يخفى عليك أننا في أحوال صعبة جدا، ولا بد أنك تكون قد اطلعت على كتاب والدي.
قال همام: نعم، اطلعت عليه، وها هو على المائدة أمامك.
قال سعيد: أزيدك علما أن الكتاب لا يشتمل إلا على الجزء القليل من الغضب الكامن في صدره، فهو لم يذق طعاما ولا نوما من أمسه، وكان من شدة استشاطته يقول: لأنفقن - والله - آلاف الجنيهات في حكم جنائي على فؤاد.
قال همام: هذا قول البخلاء حين يغضبون، فلا عبرة به، وهو أشبه شيء بعربدة السكارى ويمينهم ألا يتعاطوا بعد يومهم كأسا، والعاشق إذ يحلف بسلوان معشوقته، وعهدي بوالدك حكيما عاقلا، فهو لا يصرف آلاف الجنيهات فيما لا يزيد ماله سعة، وإلا فقد أضاع عقله فاحجروا عليه.
قال سعيد: وأنا نظيرك لا أصدق كل قول أسمعه منه حال الغضب، ولكنني أراه الآن متكدرا جدا فوق العادة، وقد عزم على استقراء الأمر إلى آخر درجة.
قال همام: ليفعل ما يشاء، إنه لن يستفيد إلا العناء والخسارة، ففؤاد بريء من التهمة ومنزه عن الريب الذي ينسبه إليه والدك.
قال: إن شاء الله، وحبذا أن يكون الأمر كما قلت، فوالله لن تجد رفيقا يسر مثلي بتبرئة ساحته، ولي فيه حسن الظن ومن قديم الزمان، فلا يقع في اعتقادي أنه يرتكب الفظيعة المنسوبة إليه.
قال همام: يظهر أن والدك اتفق مع خليل في الشكوى عليه.
قال سعيد: نعم، فقد كانت هذه المسألة سببا للتوفيق بينهما، فإنه مقرر معلوم أن العداوة بين الأنسباء تزول عند وقوع أمور تشين العائلة، فيقوم الائتلاف بديلا من الاختلاف وينسون ما كان بينهم من الشحناء، وهكذا فخليل بعد عداوته أصبح الآن أقرب صديق لوالدي ابتغاء الانتقام من ابن أختك.
Unknown page