قال: العفو يا مولاتي! هل أنا فعلت إلا بعض ما تطالبني به الإنسانية من المفروضات الواجبة على كل شخص؟!
وحينما نطق بهذا اللفظ خفق فؤاد ابنة الملك، استحسانا، وطربت من فصاحة منطقه، وتفرست فيه، فظهر لها أنه من أولاد الملوك، فقالت: ما اسمك أيها الشاب؟
قال: اسمي «كورش». ولم تزد على سؤالها خجلا من الحضور فسكتت، ثم عرضت عليه شيئا من المال فلم يقبل، ولكنها أخرجت خاتما ثمينا كان في يدها، وناولته له فابتهج لذلك، وتناوله من يدها تذكارا وعربون حب، ثم ودع وانصرف، وترك في قلبها لهيبا.
وأما هو فذهب وهو لا يدري كيف يصنع، ولا من أي باب من أبواب الغرام يسلك، وقد حل الركب، وهو ينظر إليه بعين تدمع، وقلب من الوجد والغرام يتقطع، وساروا بابنة الملك، وخلفوا «كورش» على أحر من نار السعير، ويصعد الزفرات. وكان «روبير» واقفا ينظر إليه ويتعجب، وأخيرا التفت إليه، وقال: فديتك يا مولاي! ما هذا البكاء، وما السبب الموجب لهذا القلق؟ فالتفت إليه «كورش» وقال ما معناه:
لقد ضاق بي صدري فإن كنت لا تدري
سل الدمع من عيني يخبرك عن سري
لقد أمسيت محروق الفؤاد شجيه
ولي كبد حرى إلى ذلك البدر
ثم بكى، وأن أنين الثكلى، فتحير «روبير»، وقال: يا سيدي، خفض عنك هذا الحزن، فروحي فداك أيها العزيز، ولو أردت أن آتيك بها قبل أن تبرح هذه الديار لفعلت!
فقال «كورش»: «كلا فإني لا أريد أن أفعل كما يفعل اللصوص بالحرائر، وإنما أريد أن تكون لي زوجة شرعية، وهذا لا يمكن أبدا ما دامت السماء والأرض!»
Unknown page