وصل الكونت فريزن عند ظهر اليوم التالي إلى «بواجولي»، وهو اسم المنزل الصغير الذي تسكنه الآنسة سان أماند، وكان يقع على نفس الطريق الذي يوصل إلى سيتجاند، ولم يجد أي صعوبة في العثور عليه؛ فلقد كان الجميع يعرفونه حتى سائق العربة.
ولما نزل سأله مستفهما: هل هذا منزل الآنسة سان أماند؟ - أجل يا سيدي، فإن الآنسة قضت طول حياتها هنا، وقد توفي والداها فيه، وورثته هي عنهما، وهي دائما تنزل هنا في الوقت الذي لا تغني فيه، آه يا سيدي! يجب أن تسمعها إنها بلبل حقا.
وأمر فريزن الرجل أن يعطي خيله العلف وينتظر لأنه سوف يعود معه ثانية في المساء إلى ستراسبورج. ودخل فريزن حديقة المنزل وهو يحس بأنه مقدم على حرب كلامية ليجتذب لويس إلى جانبه، ودق جرس الباب ففتحته امرأة مليئة متوسطة في العمر، وقالت وهي تبتسم لدى رؤيتها ذلك السيد الحسن البزة قبل أن ينطق هو بحرف: أرجو المعذرة يا سيدي! ماذا يطلب سيدي؟
فأجاب فريزن بابتسامة خفيفة: فقط أريد أن أدخل، وأن تخبري الآنسة سان أماند أن الكونت فريزن يطلب التشرف بمقابلتها. - سوف أفعل يا سيدي في الحال، إن الآنسة هنا، هل يسمح سيدي بالدخول؟
وتركته في الصالة ثم جرت إلى الداخل، فوضع الكونت قبعته فوق المنضدة وخلع معطفه، ووقف ينتظر، وبعد لحظات عادت المرأة وقد علا وجهها اضطراب وخوف كأنما قد أنبتها سيدتها، ثم قالت بصوت خشن تلك الجملة التقليدية: تفضل يا سيدي.
وفتحت أحد الأبواب فدخل الكونت حجرة استقبال أنيقة، ولم يطل انتظاره حتى دخلت الآنسة سان أماند وقد ظهر عليها أنها تملك نفسها تماما، وقد ارتدت كعادتها أجمل وأحسن الأزياء، ولاحظ فريزن أن في ترحيبها به والابتسامة على وجهها كأنما كان هو الشخص الوحيد في العالم الذي ترغب في رؤيته، وأخيرا أتمت في خفة: هل لك أن تجلس؟ أرجو أن يكون لديك من أخبار بادن بادن الشيء الكثير، ولكن قبل كل شيء خبرني ماذا تحب، لا بد أنك متعب وجوعان، إن لدي بعض أطباق من «التوكاي» اللذيذ.
وجلس فريزن تبعا لدعوتها، ثم قال وهو يشير بيده: لا شيء يا سيدتي العزيزة، أشكرك، إن زيارتي يجب ألا تطول، إذ لا بد أن أعود إلى ستراسبورج هذا المساء، ولكن قبل كل شيء أرجو أن تخبريني كيف حال جلالته؟
فانتفضت وقد ظهر عليها الاضطراب والدهشة كأنما قد سئلت سؤالا غريبا، وقالت مستنكرة: جلالته؟
وفي اللحظة التالية تغيرت حالتها تماما فأطبقت يديها معا، وسألت في نغمة شديدة الحزن: آه، إنك لم تعلم إذن؟! - أعلم ماذا؟ - ليس جلالته هنا، لقد كان آتيا ليقضي بضعة أيام معي هنا؛ فقد كان متعبا جدا وفي حاجة إلى الراحة، ولكن أوه! لست أستطيع أن أخبرك!
قالت هذا وقد طفرت من عينيها الدموع، فأتمت بصوت تحطمه العبرة: إنه فظيع! فظيع جدا! - يا إلهي! ماذا حدث؟!
Unknown page