Malatiyya Sufiyya Ahl Futuwwa
الملامتية والصوفية وأهل الفتوة
Genres
25
وهذا وصف لا يختلف عن وصف السلمي للملامتية؛ مما يرجح أن ابن عربي أخذ مادته منه، وإن كان ابن عربي - كعادته - يتخذ من الملامتية شيعة لمذهبه في وحدة الوجود. ومن الواضح أنه خالف كل من سواه في فهمه لمعنى «الملامتي» حيث فهم «الملامة» على أنها مقام من مقامات الصوفية، بل اعتبرها أعلى المقامات، كما اعتبر الملامتية أكابر أهل الله «الذين حلوا من الولاية في أقصى درجاتها، وما فوقهم إلا درجة النبوة.»
26
وأما أبو حفص عمر السهروردي فالظاهر من مقارنته بين الصوفية والملامتية أنه يفضل الصوفية ويضعهم في منزلة من الحياة الروحية فوقهم؛ لأن حال فناء الصوفي عن كل ما سوى الله - بما في ذلك نفسه - أفضل في نظره من حال الملامتي الذي لا تزال تربطه بالخلق وبنفسه رابطة وهي شعوره بنفسه وبالخلق. وقد أشرنا في غير ما موضع من هذا البحث إلى كراهية الملامتية للدعاوى وإنكارهم أحوال الجذب والسكر ونحوهما، فمن الطبيعي لقوم هذا شأنهم ألا يتكلموا عن «الفناء» وهو أقصى حالات الجذب، ولا أن تبدر منهم الدعاوى التي تبدر من زملائهم الصوفية في مثل هذه الحالات. وإذا ادعى الصوفي الفناء عن الخلق أو عن نفسه وأعمالها، فإنه شاعر أبدا بالخلق وبنفسه قوي الملاحظة لهما، لا يغفل عن نفسه وتأنيبها واتهامها؛ لأنه - كما يقول السهروردي - «عظم وقع الإخلاص وموضعه وتمسك به، والصوفي غاب في إخلاصه.»
27
فالإخلاص حال الملامتي، ومخالصة الإخلاص حال الصوفي، وثمرة مخالصة الإخلاص فناء العبد عن رسومه برؤية قيامه بقيومه، بل غيبته عن رؤية قيامه، وهو الاستغراق في العين عن الآثار.
28
وإنني أرى أن عدم ذلك الاستغراق في الله، وعدم الغيبة عن النفس والعالم المحيط بها قد كانا الحائل المنيع الذي سد على الملامتية باب القول بوحدة الوجود أو بالحلول أو الاتحاد أو المزج أو ما شاكل ذلك من الأقوال التي شاعت على ألسنة الصوفية الذين تكلموا في الفناء، وبخاصة صوفية العراق والشام؛ فإنهم باسترسالهم في الكلام عن الفناء عن الخلق والبقاء بالحق، وباستغراقهم التام في الحق وغفلتهم التامة عن كل من سواه وما سواه، زلت أقدامهم من حيث لا يشعرون فوقعوا في القول بوحدة الوجود أو ما شابهه. ويظهر أن القول بالاتحاد والحلول ووحدة الوجود كان في معظم الحالات من لوازم القول بالفناء؛ ولذلك لا نجد في كلام رجال الملامتية - الأولين على الأخص - شيئا عن الفناء ولا عن وحدة الوجود ونظائرها.
وقد بين السهروردي في مقارنته بين الصوفية والملامتية اختلاف الطائفتين في الغاية من الحياة الروحية: فغاية الصوفية الفناء في الله ورؤية الخلق بعين الزوال ومعاينة سر قوله تعالى:
كل شيء هالك إلا وجهه . وهؤلاء لا تعنيهم النفس ولا إخلاصها ولا الخلق وآراؤهم لأنهم استولى عليهم سلطان الحقيقة فلم يشاهدوا عينا ولا رسما. وهذه حال أبي يزيد البسطامي الذي يقول: «نظرت فإذا في باطني زنار (وهو الرابطة التي تربطه بالخلق) فعملت في قطعه خمس سنين أنظر كيف أقطعه، فكشف لي فنظرت إلى الخلق فإذا هم موتى فكبرت عليهم أربع تكبيرات.»
Unknown page