محمد الذيب وقطيعه
نحن في ربيع السنة 1947، عند شاطئ البحر الميت الغربي. وفي المكان الذي ينتهي أو يبدأ فيه وادي قمران، وعلى بعد كيلومترين ونصف الكيلومتر عن مياه البحر الميت، وأريحا ليست بعيدة عنا فهي إلى شمالينا، والمسافة بيننا وبينها لا تتجاوز الاثني عشر كيلومترا.
وقد جاء شاب ينتمي إلى عشيرة التعامرة الضاربة بين البحر الميت وبيت لحم، اسمه محمد الذيب، يرعى قطيعا من المعزى، والمعزى عندنا نفور كثير الحركة، يأبى الحبس في الزرائب، ويؤثر الانفراد في طلب الكلأ. وشردت ماعزة وتباعدت وتسلقت الصخور في طلب العشب الرطب؛ فتأثرها ذيبنا خشية التطوح والهلاك، وتسلق الصخور لأجلها، ولهث إعياء فجلس يستريح في ظل أحد الصخور الناتئة، والتفت يمنة ويسرة، فألفى فوهة فوق رأسه، فالتقط حجرا وقذف به إلى الداخل وأصغى، فإذا به يسمع خزفا يتكسر! فلاح له أنه رزق حسن يربحه بلا كد أو تعب، فأعاد الكرة فسمع الصوت نفسه، فأمسك بحافة الفوهة بأطراف أصابعه، وأطل بنفسه إلى الداخل، فإذا هو أمام كهف مملوء جرارا!
ومالت الشمس نحو المغيب، فعاد الذيب والماعزة إلى القطيع، وعاد القطيع إلى الحظيرة، وعاد محمد في المساء إلى الأهل والخلان، وتحدث إليهم عما شاهد في الكهف فلم يصدقوه، وفي الصباح التالي جاء أحدهم يقول لمحمد: أرني ما رأيت، فذهبا توا إلى الكهف ودخلا إليه، فوجدا عددا من الجرار سالمة، وعددا كبيرا منها مكسرا، فكشفا عن السالم منها، فإذا بعضه فارغ والبعض الآخر يحتوي على دروج من الرق، وبعض هذه مغلف بقماش من الكتان قديم.
1
والدرج قرطاس طويل يكتب فيه ويلف.
وأخذا بعض هذه الدروج، وصعدا بها إلى بيت لحم، وعرضاها على أحد أشياخها، فوجدها غير عربية، فأشار عليهما أن يعرضاها على المعلم إسكندر خليل تاجر العاديات في بيت لحم، فابتاعها «كندو» منهما وأبقاها في حانوته زمنا يسيرا، ثم أخذها إلى القدس، وأطلع عليها أحد أفراد ملته، ملة السريان القدماء، المعلم جرجس شعيا. فأشار هذا بالاتصال بمطران الطائفة إثناسيوس يشوع صموئيل في دير مار مرقس في شارع النبي داود، والدير قائم، في عرف السريان، في المحل نفسه الذي قام فيه «بيت مريم أم يوحنا الملقب مرقس» حيث كان الرسل والمؤمنون يجتمعون؛ ليصلوا بعد القيامة.
حمل كندو درجا كبيرا، وذهب ورفيقه جرجس، وعرضه على المطران صموئيل، فألفاه المطران مكتوبا بالعبرية. وبعد أن أحرق قطعة صغيرة منه ثبت له أن الدرج مكتوب على رق، فقال إنه يبتاع الدرج وغيره من نوعه. وفي السبت الأول من تموز عاد التعامرة إلى بيت لحم؛ ليبيعوا منتجات قطعانهم، وعاد معهم أصحاب الدروج، فهتف كندو إلى المطران في دير ما مرقس ينبئه بقدومهم وبوصول دروج جديدة، فأجاب المطران: «أرسلهم»، فلما وصلوا إلى الدير لم يسمح لهم بالدخول، فعادوا إلى بيت لحم، ومنها إلى مضاربهم. ويرى بعض رجال الاطلاع أن التعامرة باعوا دروجهم هذه أو بعضها، قبل خروجهم من بيت المقدس إلى تاجر عاديات يهودي، فاستقرت في الجامعة العبرية.
المطران صموئيل ينشر درجا.
وبعد ذلك بمدة يسيرة عاد التعامرة إلى سوق السبت في بيت لحم، فاقتادهم كندو إلى بيت المقدس واتصل بجرجس، وذهب الجميع إلى الدير وقابلوا المطران، فابتاع منهم دروجا خمسة بمبلغ يعادل مائة وخمسين دولارا أميركيا. ونزل جرجس إلى وادي قمران وزار الكهف، ونزل بعده الأب يوسف أحد رهبان دير مار مرقس، وشاهد جرة سليمة قائمة، ولكنه لم ينقلها إلى الدير نظرا لوزنها وصعوبة المسلك وحرارة الجو. وشاور المطران في أمر هذه الدروج من رأى فيهم الاستعداد للبت في أمرها، فاعتبرها أحد موظفي دائرة الآثار الفلسطينية، أسطفان أسطفان، مزورة لا قيمة لها، أما الأب فان در بلويغ
Unknown page