منهج أبي موسى في تأليف كتابه:
سبق أن قلنا: إن منهج أبي موسى في تأليف كتابه الغيث هو منهج أبي عبيد الهروى في تأليف كتابه الغريبين، فلا بد إذًا من الوقوف على منهج أبي عبيد. يقول أبو عبيد في مقدمة الغريبين:
"كتابى (١) هذا لمن حمل القرآن، وعرف الحديث، ونظر في اللغة ثم احتاج إلى معرفة غرائبهما، وهو موضوع على نَسَق الحروف المعجمة، نبدأ بالهمزة، فنفيض بها على سائر الحروف حرفًا حرفًا، ونعمل لكل حرفٍ بابًا، ونفتح كل باب بالحرف الذي يكون أوّله الهمزة، ثم الباء، ثم التاء ... إلى آخر الحروف إلّا أَلّا نجده فنتعدّاه إلى ما نجده على الترتيب فيه، ثم نأخذ في كتاب الباء على هذا العمل، إلى أن ننتهى بالحروف كلّها إلى آخرها، ليصير المفتش عن الحرف إلى إصابته من الكتاب بأهون سعى وأخف طلب.
وشرطى فيه الاختصار إلا إذا اختلَّ الكلام دونه، وترك الاستظهار بالشواهد الكثيرة إلّا إذَا لم يستَغنِ عنها، وليس لى فيه إلا التَّرتيبُ والنقلُ من كتب الأثبات الثقات، طلبًا للتخفيف، وحذفًا للتطويل، وحصرًا للفائدة، وتوطئة للسبيل. فمن حفظه كان كمن حصّل تلك الكتب عن آخرها ..
ويقول أبو موسى المديني في مقدمة كتابه "المجموع المغيث في غريبى القرآن والحديث": أما بعد، فإنى لمّا طالعت كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروى ﵀، ورأيت تقريبَه الفائدة لمطالعه، واحتياج طلاب فوائد القرآن والحديث إلى مُودَعِه استحسنته جدا، وأَحمدتُه سَعْيا وكَدًّا، غير أَنِّى وجدت كلماتٍ كثيرة شَذَّت عن كتابه، إذ لا يُحاطُ بجميع ما تُكلِّم به من غريب الكَلِمِ، فلم أزل أتتبع ما فاته، وأكتب ما غفل عنه، إلى أن وقعت على كراسة غير كبيرة جمعها بعض علماء خراسان بعد الخمسين والأربعمائة لم يُسَمَّ
_________
(١) من مقدمة كتاب الغريبين لأبى عبيد أحمد بن محمد الهروى.
مقدمة / 35