فكفاني مؤونَةَ الدّأب، وصعوبة الطلب، فلم أجد أحدًا عمل ذلك إلى غايتنا هذه".
ورتّبه مقفّى على حروف المعجم على وضع لم يسبق في غريب القرآن والحديث إليه، فاستخرج الكلمات اللغوية الغريبة من أماكنها، وأثبتها في حروفها، وذكر معانيها، إذ كان الغرض والمقصد من هذا التصنيف معرفة الكلمة الغريبة لغةً وإعرابًا ومعنىً، لا معرفة متون الأحاديث والآثار وطُرُق أسانيدها وأسماء رُواتها، فإنّ ذلك علم مستقل بنفسه مشهور بين أهله.
وفي زمن (١) الِإمام أبي القاسم محمود بن عمر الزمخشري (ت: ٥٣٨ هـ) صنَّف كتابه المشهور في غريب الحديث وسمّاه الفائق، فكان فائقا في مادّته، ووضَّح ما تناوله من غريب الحديث توضيحًا، ورتَّبه على وضع اختاره مُقَفًّى على حروف المعجم، ولكن في العثور على طلب الحديث منه كُلفَة ومشقّة، وإن كانت دون غيره من متقدم الكتب، لأنه جمع في التقفية بين إيراد الحديث مسرودًا جميعه أو أكثره أو أقلّه، ثم شرح ما فيه من غريب، فيجيء شرح كلّ كلمة غريبة يشتمل عليها ذلك الحديث في حرف واحد من حروف المعجم، فَتَرِدُ الكلمة في غير حروفها، وإذا تطلبها الِإنسان تعب حتى يجدها، فكان كتاب أبي عبيد الهروى أقرب متناولًا وأسهل مأخذا، وإن كانت كلماته متفرقة في حروفها، وكان النفع به أَتمّ، والفائدة منه أَعمّ.
فلما كان زمن الحافظ الِإمام أبي موسى محمد بن أبي بكر بن أبي عيسى المديني الأصفهاني، وكان إمامًا في عصره، حافظًا مُتقنًا تُشدَّ إليه الرحال، وتناط به من الطلبة الآمال ألَّف كتابه: "المجموع المغيث في غريبي القرآن والحديث" على ترتيب كتاب أبي عبيد سواء بسواء، وسلك طريقه حَذْوَ النَّعل بالنّعل في إخراج الكَلِم في الباب الذي يليق بظاهر لفظها، وإن كان اشتقاقها مخالفًا لَها.
_________
(١) انظر مقدمة كتاب النهاية لابن الأثير.
مقدمة / 13