وجمع كتابه المشهور في غريب الحديث، وهو كتاب كبير ذو مجلدات عِدَّة، جمع فيه وبسط القول وشرح، واستقصى الأحاديث بطرق أسانيدها، وأطاله بذكر متونها وألفاظها، وإن لم يكن فيها إلا كلمة واحدة غريبة، فطال بذلك كتابه، فتُرِك وهُجِر بسبب طوله، وإن كان كثيرَ الفوائد، جَمَّ المنافع، فإن الرجل كان إماما حافظا مُتقِنا، عارفًا بالفقه والحديث، واللغة والأدب.
ثم صنّف العلماء غيرُ مَن ذكرنا في هذا الفنّ تصانيفَ كثيرة، منهم شَمِر ابن حَمْدَوَيْه، وأبو العباس أحمد بن يحيى اللغوي المعروف بثعلب، وأبو العباس محمد بن يزيد الثُّمالي المعروف بالمُبَرِّد، وأبو محمد بن القاسم الأنباري، وأحمد ابن الحسن الكندي، وأبو عمر محمد بن عبد الواحد الزاهد، صاحب ثعلب، وغير هؤلاء من أئمة اللغة والنحو والفقه والحديث.
واستمرت الحال إلى عهد الِإمام أبي سليمان حَمْد بن محمد بن إبراهيم الخَطّابي البستي (ت: ٣٨٨ هـ) وألّف كتابه المشهور في "غريب الحديث"، وسلك فيه نهج أبي عبيد، وابن قتيبة، ولقد قال يصف كتابه:
"وأمّا كتابنا هذا، فإني ذكرت فيه ما لم يرد في كتابيهما، فصرفت إلى جمعه عنايتي، ولم أزل أتتبع مَظانَّها، وألتقط آحادَها حتى اجتمع منها ما أحبَّ الله أن يوفّقِ له، وأتسق الكِتابُ فصار كنحو من كتاب أبي عبيد أو كتاب صاحبه".
فلمّا كان (١) زمن أبي عبيد أحمد بن محمد الهروي (ت: ٤٠١ هـ) صنّف كتابه المشهور السائر في الجمع بين غريبي القرآن العزيز والحديث الشريف، وذلك حيث يقول: "وكنت أرجو أن يكون سبقني إلى جمعهما، وضمّ كلّ شىء إلى لِفْقِه (٢) منهما على ترتيب حسن واختصار كاف، سابق،
_________
(١) انظر مقدمة كتاب الغريبين لأبي عبيد الهروي.
(٢) في الأساس (لفق)،: تلافق القوم: تلاءمت أحوالهم، وهذا لِفْق فَلانٍ.
مقدمة / 12