56

Majmūʿ al-fatāwā

مجموع الفتاوى

Publisher

مجمع الملك فهد لطباعة المصحف الشريف-المدينة المنورة

Publisher Location

السعودية

لِلْعَبْدِ مَا يُحِبُّهُ مِنْ النِّعَمِ تَبَعًا لِمَحْبُوبِ الرَّبِّ وَهَذَا كَالْبَائِعِ وَالْمُشْتَرِي الْبَائِعُ يُرِيدُ مِنْ الْمُشْتَرِي أَوَّلًا الثَّمَنَ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ: إرَادَةُ تَسْلِيمِ الْمَبِيعِ وَالْمُشْتَرِي يُرِيدُ السِّلْعَةَ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ: إرَادَةُ إعْطَاءِ الثَّمَنِ. فَالرَّبُّ يُحِبُّ أَنْ يُحَبَّ. وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ: أَنْ يُحِبَّ مَنْ لَا تَحْصُلُ الْعِبَادَةُ إلَّا بِهِ وَالْعَبْدُ يُحِبُّ مَا يَحْتَاجُ إلَيْهِ وَيَنْتَفِعُ بِهِ وَمِنْ لَوَازِمِ ذَلِكَ؛ مَحَبَّتُهُ لِعِبَادَةِ اللَّهِ فَمَنْ عَبَدَ اللَّهَ وَأَحْسَنَ إلَى النَّاسِ فَهَذَا قَائِمٌ بِحُقُوقِ اللَّهِ وَحَقِّ عِبَادِ اللَّهِ فِي إخْلَاصِ الدِّينِ لَهُ. وَمَنْ طَلَبَ مِنْ الْعِبَادِ الْعِوَضَ ثَنَاءً أَوْ دُعَاءً أَوْ غَيْرَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ مُحْسِنًا إلَيْهِمْ لِلَّهِ. وَمَنْ خَافَ اللَّهَ فِيهِمْ وَلَمْ يَخَفْهُمْ فِي اللَّهِ كَانَ مُحْسِنًا إلَى الْخَلْقِ وَإِلَى نَفْسِهِ فَإِنَّ خَوْفَ اللَّهِ يَحْمِلُهُ عَلَى أَنْ يُعْطِيَهُمْ حَقَّهُمْ وَيَكُفَّ عَنْ ظُلْمِهِمْ وَمَنْ خَافَهُمْ وَلَمْ يَخَفْ اللَّهَ فَهَذَا ظَالِمٌ لِنَفْسِهِ وَلَهُمْ حَيْثُ خَافَ غَيْرَ اللَّهِ وَرَجَاهُ لِأَنَّهُ إذَا خَافَهُمْ دُونَ اللَّهِ احْتَاجَ أَنْ يَدْفَعَ شَرَّهُمْ عَنْهُ بِكُلِّ وَجْهٍ إمَّا بِمُدَاهَنَتِهِمْ وَمُرَاءَاتِهِمْ وَإِمَّا بِمُقَابَلَتِهِمْ بِشَيْءِ أَعْظَمَ مِنْ شَرِّهِمْ أَوْ مِثْلِهِ وَإِذَا رَجَاهُمْ لَمْ يَقُمْ فِيهِمْ بِحَقِّ اللَّهِ وَهُوَ إذَا لَمْ يَخَفْ اللَّهَ فَهُوَ مُخْتَارٌ لِلْعُدْوَانِ عَلَيْهِمْ فَإِنَّ طَبْعَ النَّفْسِ الظُّلْمُ لِمَنْ لَا يَظْلِمُهَا فَكَيْفَ بِمَنْ يَظْلِمُهَا؟ فَتَجِدُ هَذَا الضَّرْبَ كَثِيرَ الْخَوْفِ مِنْ الْخَلْقِ كَثِيرَ الظُّلْمِ إذَا قَدَرَ، مَهِينًا ذَلِيلًا إذَا قُهِرَ فَهُوَ يَخَافُ النَّاسَ بِحَسَبِ مَا عِنْدَهُ مِنْ ذَلِكَ وَهَذَا مِمَّا يُوقِعُ الْفِتَنَ بَيْنَ النَّاسِ. وَكَذَلِكَ إذَا رَجَاهُمْ فَهُمْ لَا يُعْطُونَهُ مَا يَرْجُوهُ مِنْهُمْ فَلَا بُدَّ أَنْ يُبْغِضَهُمْ فَيَظْلِمَهُمْ إذَا لَمْ يَكُنْ خَائِفًا مِنْ اللَّهِ ﷿ وَهَذَا مَوْجُودٌ كَثِيرٌ فِي النَّاسِ تَجِدُهُمْ يَخَافُ بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَيَرْجُو بَعْضُهُمْ بَعْضًا وَكُلٌّ مِنْ هَؤُلَاءِ يَتَظَلَّمُ مِنْ الْآخَرِ وَيَطْلُبُ ظُلْمَهُ فَهُمْ ظَالِمُونَ بَعْضُهُمْ لِبَعْضِ ظَالِمُونَ فِي حَقِّ اللَّهِ حَيْثُ خَافُوا غَيْرَهُ وَرَجَوْا غَيْرَهُ ظَالِمُونَ لِأَنْفُسِهِمْ فَإِنَّ هَذَا مِنْ الذُّنُوبِ الَّتِي تُعَذَّبُ النَّفْسُ بِهَا وَعَلَيْهَا وَهُوَ يَجُرُّ إلَى فِعْلِ الْمَعَاصِي الْمُخْتَصَّةِ كَالشِّرْكِ وَالزِّنَا فَإِنَّ الْإِنْسَانَ إذَا لَمْ يَخَفْ

1 / 54