197

المسألة التاسعة عشر [ في القدرة أيضا ]

قال تولى الله هدايته: هل الأقدار الذي بوجوبه خلق السماوات والأرض وما سواهن مع كمال إيجادهن بناها وقد أحكمهن، أو هو على استمرار حكمه، فيجوز أن يخلق سماوات وأرضين استمرارا لا إلى غاية، أو لعبور كونه يريد الإيجاد فأمسك عن الفعل فيكون ذلك لأمر من قبل ذاته، فيقتضي رجوعه عما كان له مرادا، أو أراد في آن وأمسك في آن غيره، أو لأمر جاء عن سواه، أو لامتناع الإيجاد عليه استمرارا وارتفاع الوجوب والجواز؟

الجواب عندنا: إن القديم عز وجل لا يخرج عن كونه قادرا بحال من الأحوال في وقت من الأوقات، بل هو قادر على جميع أجناس المقدورات في جميع الحالات التي يجوز وجودها فيها كما قدمنا، وعندنا أنه يجوز أن يخلق سماوات وأرضين إلى غير غاية ينتهي إليها، فلا يتعذر عليه الإيجاد تعالى عن ذلك، بل لا يمتنع عليه شيء من مقدوراته، ولا تحجز الموانع بينه وبين مراده، ومعنى يجوز أن يخلق سماوات وأرضين إلى غير غاية أنه يمكنه أن يخلق إذا أراد أن يخلق؛ لأن الحكمة تمنع من أن يخلق خلقا وهو غير مريد له، أو يريده ولا يدخل بخلقه في باب الحكمة؛ لأنه لو كان كذلك لكان قبيحا، والله تعالى لا يفعل القبيح؛ لأنه عالم بقبحه، وغني عن فعله وعالم باستغنائه عنه، ومن كان بهذه الصفات فإنه لا يفعل القبيح أصلا.

Page 235