وإما أن تكون من ميت، فالعقل يشهد أن الميت لا يدل على خير ولا شر، ويشهد أن العقل من أجل العلوم، والعلم لا يكون من فعل الموات (1)، والعقل يشهد أن العلم من فعل عالم.
فإن قلت: إن هذا العلم الحادث في الصدور، المحيط بجميع الأمور، المميز بين الخيرات والشرور، من فعل طبع ميت، فالعقل يشهد أن الميت لا يصنع العلم.
وإن قلت: إنه من فعل لا شيء ناقضت قولك، لأن لا شيء لا (2) يصنع علما ولا جهلا، لأن لا شيء عدم، والعدم ليس بجاهل ولا عالم، ولا حي ولا ميت، وإنما هو نفي والنفي فهو كلامنا ونفينا.
وإن قلت: بل هو من فعل عالم صدقت، وكان ذلك ضرورة كما ذكرت.
وإن قلت: إن هذا العلم لا من حي ولا من ميت، ولا من شيء أصلا، لم تخل من أن تكون أوجبت بهذا القول عدمه أو قدمه، فإن كنت أوجبت عدمه أكذبك وجوده؟! وإن كنت أردت قدمه أكذبك حدثه.
ودليل آخر
إن كنت تريد بهذا القول نفي الخالق، فكيف يثبت الخلق بغير خالق؟!!
فإن قلت: من أجل أن الخلق قديم أحلت، لأنا قد أوضحنا حدثه.
وإن قلت: من أجل علل قديمة، فقد أوضحنا حدوث العلل، وإن قلت: من أجل العدم، فقد أوضحنا (3) لك أن العدم لا شيء، ولا شيء نفي والنفي لا يوجب إثبات شيء.
وإن قلت: من أجل الحدث، فالحدث من المحدث، إذ ليس إلا المحدث الفاعل أو العدم، فلما انتفى العدم ثبت الخالق تبارك وتعالى.
- - -
باب الدلالة على نفي الصفات عن الخالق
والدليل على قدمه قال المهدي لدين الله، الحسين بن القاسم عليه السلام:
فلما صح أن للأشياء خالقا محدثا جاعلا، صح أنه بخلافها من جميع (4) المعاني، وصح أنه لا يشبهها في الذات، ولا الفعل، ولا الصفات.
Page 150