وإن قلت: إن هذه الحكمة تولدت من طبائع محدثة، فالمحدث لأولها هو المحدث لآخرها، وفي هذا إثبات الخالق لها.
وإن قلت: إن هذه الحكمة تولدت من طبائع قديمة ميتة، فهذا محال، لأنها لا تخلو من (1) أن تكون أوجدتها بعد العدم، أو هي كانت موجودة معها في حال العدم (2).
فإن قلت: إنها كانت قديمة معها، ثم انفصلت عنها، فهذا محال، لأنا قد بينا حدثها، وأوضحنا الدليل على حدوث فرعها وأصلها فيما تقدم من قولنا، وأيضا فإن في (3) الحكمة آثار صنع العالم الحكيم.
وإن قلت: إن هذه الطبائع الميتة أوجدت الحكمة بعد العدم، فهذا محال، لأنها لا تخلو من أحد وجهين:
إما أن تكون أوجدتها بعلم.
وإما أن تكون أوجدتها بجهل.
فإن قلت: إنها أوجدتها بعلم فهذا محال، لأن الميت لا يعلم شيئا، ولا يكون العالم إلا حيا.
وإن قلت: إنها أوجدت الحكمة بجهل فهذا محال، لأن الجاهل الميت لا يعقل ولا يعي، ولا يحسن ولا يسيء (4)، ولا يحكم التدبير، ولا يبرم الأمور.
وإن قلت: إن هذه الحكمة حدثت من علل قديمة مدبرة، فهذه (5) صفة الخالق والخالق ليس يسمى عللا، وإنما هو الله الذي لا إله إلا هو العليم الحكيم.
ودليل آخر
أن العلل الميتة محدثة، لأن الموات ساكن، والساكن مقيم لابث، واللابث لا يخلو من أن يكون لبث وأقام وقتا طويلا، وأقام وقتا قليلا.
فإن قلت: إنه لبث وقتا قليلا، أوجبت حدثه من قليل من الأزمان.
Page 144