باب الدلالة على الله عز وجل
إن سأل سائل مسترشد، أو قال قائل ملحد: ما الدليل على الله رب العالمين؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: اعلم أيها السائل أنا نظرنا إلى (1) الإنسان، فإذا هو أقرب الأدلة على (2) نفسه، فلم يخل عندنا من أحد ستة أوجه لا سابع لها:
إما أن يكون خلق نفسه.
وإما أن يكون قديما لم يزل.
وإما أن يكون حدث لعلة من العلل.
وإما أن يكون هملا رسلا لا من علة ولا من خالق.
وإما أن يكون متولدا لم يزل نطفة من إنسان وإنسانا من نطفة، إلى ما لا نهاية له ولا أصل، ولا غاية ولا أول.
وإما أن يكون من خالق محدث قديم، حي قيوم (3).
فإن قلت: إنه قديم لم يزل، فهذا محال، لأنا وجدناه بعد العدم.
وإن قلت: إنه أحدث نفسه، فهذا محال، لأنا وجدناه في حال كماله وبلوغه وحياته عاجزا عن تحسين القبيح من صورته، فعلمناه في حال نطوفيته وموته وغفلته ونقصانه وقلته، أعجز وأضعف، لأنه إذا عجز في حال الكمال، فهو في حال الضعف أحرى بالعجز.
وإن قلت: إنه حدث من علة من العلل، فهذا محال، لأن العلة لا تخلو في حال إحداثها من أحد (4) وجهين:
إما أن تكون مواتا.
وإما أن تكون جسما حيوانا.
فإن كانت حيوانا فيستحيل تدبير الحيوان مثله، إذ الحيوان مصنوع عاجز عن الصنع ممنوع (5)، وإن كانت العلة مواتا فيستحيل أن يصنع الموات إنسانا محكما مدبرا، متقنا مصورا ، حكيما عالما، إذ الموات لا يعني (6) نفسه، فضلا عن فعل الحكمة البالغة، والنعمة السابغة.
Page 130