فإن قال: وما أنكرت من أن يكون الهواء حدث بعدهما، ولم يكن معهما ولا قبلهما، ولا هو في القدم مثلهما؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك، لأن الأرض لم تخل من التحت، ولم تخل من التباعد والتباين، ولم تخل السماء من الارتفاع، ولم تخل الأرض من الاتضاع، وفوق الأرض فهو الهواء، وكذلك هو تحت السماء، وهو المسافة بينهما، وهو سبب تباعدهما، وهو الفرق بينهما، وأيضا فإنك مقر بأزلية تباينهما، وهذا محال لما بينا من كونهما ووجودهما، بوجود هذا الفضاء.
فإن قال: وما أنكرت من أن يكونا في حال أزليتهما غير مفترقين ثم افترقا؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: هذه حجة عليك لا لك، احتججت بها على نفسك، لأن حدث الافتراق دليل على المفرق، وافتراقهما بعد اجتماعهما، دليل على مفرقهما بعد جمعه، ونقلهما دليل على صنعه.
ودليل آخر
أنك قلت: افترقتا، والافتراق لا يكون إلا في مكان كما وصفنا، وكذلك الاجتماع ووجود المكان، دليل على حدثهما، إذ لم يخلوا من هذا المكان المحدث، الذي بينا حدثه فيما مضى من كلامنا، وإذا لم يسبقا المحدث، أعني الهواء، ولم يكونا قبله، فسبيلهما في الحدث سبيله.
ودليل آخر
أنك قلت: افترقنا، والافتراق لا يكون إلا بعد الاجتماع، وإذا كان للاجتماع آخر فله أول، ويستحيل آخر بلا أول، ألا ترى أنهما إذا كانا لم يزالا مختلفتين ثم افترقتا، فقد بطل ما مضى من كثرة سكونهما واجتماعهما، ولا يخلو هذا الباطل الذي بطل، وهو سكونهما من أن يكون بطل كله، أو بطل بعضه.
فإن قلت: بطل بعضه، فهذا محال، لأنك أقررت بحركة افتراقهما، بعد سكون اجتماعهما، وإذا تحركتا فقد بطل كلما مضى من سكونهما، وإذا بطل جميع السكون والساعات الحادثة، فقد صح أن لهما عددا، وإذا صح بأن للساعات عددا محدثا، وصح بعد حدوثه انقطاع جميعه، والأرض والسماء عندك لم يسبقا سكونهما، هذا الذي ذكرنا، حدث ساعاته، وانقطاعها بعد حدوثها.
Page 83