Majmuc
مجموع كتب ورسائل الإمام الحسين بن القاسم العياني
Genres
فإن رجع إلى مكابرة عقله، وسأل عن المحال بفاحش جهله، فقال: وما أنكرت من أن يكون الهواء قديما قبل إقامته، أو أن يكون متحركا في حال العدم قبل سكونه؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: أنكرنا ذلك لأنه لا ينفك من الإقامة أصلا، لأنه إن تحرك فهو مقيم على الحركة، ولا بد لإقامة الحركة من كثرة أو قلة، ولا بد لها من تبعيض أو كلية، ولا بد إن شاء الله (1) من الكلام، والرد على من توهم حركته في سالف الأيام.
فنقول ولا قوة إلا بالله: إن قولك بحركته هو ما يدل على تناهيه وغاية، ويوضح ما قلنا به من حدوث أوليته، وذلك أنه لو كان قبل سكونه متحركا، ثم وجد بعد ذلك من الحركة منفكا، لكان لتلك الحركة آخر ومنقطع، وللسكون بدء ومبتدع، وإذا صح أن لحركته انقطاعا، ولسكونه حدثا وابتداعا، صح أن الحركة قد انقطعت كلها، وأبطل آخرها وأولها، وانتفى قدمها وأزلها.
فإن قال: هل للفضاء حدود محدود (2) يتناهى إليها وأماكن يعتمد عليها؟
قيل له ولا قوة إلا بالله: نعم له حدود متناهية، وأطراف متباعدة مباينة.
وأما قولك: هل له أماكن؟ فيحتمل وجهين:
إما أن تكون أردت به الجهات الست، اليمين والشمال والخلف والأمام والفوق والتحت.
وإما أن تكون أردت به غير ذلك مما سنذكره، ونشرحه إن شاء الله ونفسره.
فإن كنت أردت ما وصفنا من الجهات، فليس جهات غيره تحويه، ولا له مكان سواه يحل فيه، لأنه لو احتاج إلى مكان لاحتاج كل مكان إلى مكان، وهذا فيبطل غاية البطلان، لما دللنا عليه من حدوث الأمكنة، التي هي من الأفضاء والأهوية.
وإن أردت بالأمكنة التي ذكرت، وعنها في بدء الكلام سألت، أن الأجزاء الكثيرة منه أماكن لقليله (3) فقد أصبت، ولا اختلاف بين ذوي العقول فيما به نطقت، ألا ترى أن أطرافه تحوي وسطه، وأن أعلاه جهة لما دونه.
فإن قال: هل له أعلا وهل له أسفل وجوانب أم لا؟
Page 209