ومنهم: من استغرق في مناجاة المعبود، وغاب شغلا بربه عن الوجود، فالبدن حاضر والفؤاد مفقود.
ولقد جعلتك في الفؤاد محدثي ... وأبحت جسمي من أراد جلوسي
ومنهم: من وصل إلى الحضرة فاتصل، وعلى مراده من أشرف لذاته حصل، فيا شرف ذلك المقام الذي ما سواه دون {فلا تعلم نفس مآ أخفى لهم من قرة أعين جزاء بما كانوا يعلمون}.
إخواني: هذه بعض أحوال أهل الموقف من عرفات، ألكم حال من هذه الحالات، أفيكم من حصل له بعض هذه المقامات، أمنكم من تشرف لنيل هذه السعادات، لقد سار وفد الله وقعدنا، وقربوا إلى جنابه وبعدنا، وقربوا إلى حماه وطردنا، فإن كان لنا معهم نصيب بقلوبنا فزنا -والله- وسعدنا:
يا سائرين إلى الأحبة بلغوا ... عني السلام وأنني معذور
قد عاقني وزري الثقيل وصدني ... عنكم وقلبي عندكم مأسور
[لكن من إحسانكم وفعالكم ... جبر الكسير وعبدكم مكسور]
إخواني: القاعد لعذر ثوى به، شريك السائر في أجره وثوابه، والمنقطع ببدنه عن رفقة السائرين، محسوب بقلبه في جملة الوافدين، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم لما رجع من غزوة تبوك وقرب من المدينة: ((إن بالمدينة أقواما ما سرتم مسيرا ولا قطعتم واديا إلا وهم معكم فيه)). قالوا: يا رسول الله وهم بالمدينة؟ قال: ((وهم بالمدينة حبسهم العذر)).
Page 179