لا نكران بأن أمم الشرق ما برحت تندرج في نبذ خرافات كثيرة لا تتلائم مع روح الإسلام، وإننا لا نزعم بأن هذه الخرافات ما يؤسف على نبذه وإهماله، ولكن لا محيد على القول بأن فيها ما قد يصح أن يتألف منه بعض التراث الوطني للشعوب الشرقية، وإن هذه الشعوب التي تشعر الآن أكثر من قبل بنزعتها الوطنية وحاجتها للاحتفاظ بذلك التراث الوطني، لا يمكنها أن تهمل ما تتألف منه مظاهر الأنماط التي جرى عليها في كل يوم أجدادنا من قبل، على أن هذه الحياة التي قضاها الأجداد بالأمس وما برحت ماثلة أمام أعيننا بآثارها، لن تلبث أن تصبح من ذكريات الغد البعيد ولذلك لم يبق من الوقت إلا ما يكفينا أن نجمع شواهدها وإعلامها للأجيال القادمة قبل أن تتوارى في طيات العدم، وتصبح نسيًا منسيًا. هذا ما عملت عليه منذ زمن قديم الأمم الأوربية بشأن مظاهر حياتها الشعبية، وما شرع به أخيرًا بعض الأمم الشرقية كاليابان وتركيا، فهي تجمع في متاحف خاصة اتنوغرافيا، طائفة من الألبسة والحوائج التي يستعملها الشعب في قضاء حاجاته، وتحتفظ بمجموعات من اسطوانات الحاكي في مختلف الأغاني العامية، عدا ما تسجله وتطبعه من الأمثال والقصص والنكات والشواهد العامية. على أن اللغة العامية هي أعظم مظهر من مظاهر الحياة الشعبية، فباللغة العامية نستطيع أن نعرف ونحفظ أسماء الحوائج التي يستعملها أجدادنا، والأمثال التي يضربونها فيجمعون فيها الكثير من حكمهم، والخرافات التي يعتقون بها فتنبئ عن وجهة نظر حياتهم، يزاد على كل ذلك بأن اللغة العامية من النكات والهزل والتنادر ما لا يمكن أن نجد ما يعادله رشاقة في اللغة الفصحى وهذا ما يدعو الجرائد الهزلية لتفضيل اللغة العامية على الفصحى في أكثر ما تكتبه، على أن كتاب العربية جميعًا، رغم من شذوا، لا يريدون عن اللغة العربية الفصحى بديلًا وأن لديهم لذلك أسبابًا مصيبة جدًا يضيق بنا المجال أن يأتي على بيانها هنا غير أنه لا يمكن حتى لأشدهم محافظة على هذا الرأي وتمسكًا به، أن يؤيدوا بأن درس اللغة العامية مما لا فائدة فيه. لقد أصبح اليوم من المتفق عليه بين الناس بأن اللغتين الفصحى والعامية في جميع الأقطار العربية ما برحتا تتقاربان الواحدة من الأخرى بصورة مستمرة وإن اللغات العامية ما فتأت تغني بمفردات وتراكيب اللغة الفصحى التي ما زالت تسهل وتعم بدون أن تفقد شيئًا من صحتها على أن هذا التطور الطبيعي يمكن أن يضاف إليه مساعي كثيرة. ثم أو ليس في
1 / 52