إلى أحدى الجهات فطلب ما يبتغي بقوله: أريد حمارًا دون أن يهمل حركة من حركات هذه الجملة، فلم يفهم أحد ممن كانوا حوله، ولقد كان عجبه عظيمًا حين علن بأن جملة أريد حمارًا، التي يكتبها بهذا الشكل، يجب أن يعبر عنها في المغرب بجملة نحبّْ دابّْ.
أن هذا السبب العملي وهو أول ما يخطر للذهن، ليس السبب الأهم. إذا اهتم المستشرقون بدراسة اللغة العامية فذلك لأن في هذه الدراسة فائدة علمية كبرى. ففي معرفة اللغة العامية فذلك ما يعين على التحدث إلى أفراد الشعب والاختلاط بهم وفي هذا ما يساعد الباحث على الوصول إلى ما يتطلبه من المعلومات من منابعها الأصلية فيما يتعلق بمظاهر الحياة المادية التي يحياها هؤلاء الناس الذين يتصدى لدرس عاداتهم وما احتفظوا به من تقاليدهم القديمة وما هم عليه من الأوضاع الاجتماعية والفردية، وهو بذلك لا يتوصل لمعرفة ما يود الإطلاع عليه فحسب، بل يلقى كثيرًا من المواد التي يعتدُّ بها العلم ويقابلها مع غيرها من أوضاع اجتماعية جرت عليها الناس في بلاد أخرى من بلاد العالم مما يدخل في اختصاص علوم كثيرة منها علم طبائع الشعوب اتنوغرافيا وعلم الاجتماع (سوسيولوجيا) وعلم التقاليد والعادات (فولكلور) هذا وإن في دراسة اللغة العامية خدمات جلى لدرس الحضارة العربية، لأن لهذه الدراسة شأنًا كبيرًا وفائدة عظيمة في فقه اللغة (فيلولوجيا) والتاريخ وتاريخ الآداب.
أولًا: فائدتها في فقه اللغة، وعلى الأخص في وصف مفردات اللغة (ليكسيكوغرافيا): لا يمكن وضع معجم عربي كامل إلا بعد درس جميع اللغات العربية العامية، فمؤلفو المعاجم العربية القديمة الذين جمعوا باعتناء حتى حتى ما سمع من لغة الصحراء الشعرية، أهملوا أكثر الكلمات المألوفة لدى سكان المدن وتعابيرهم الفنية، وكثيرًا يكون فيما كتبه كتاب القرون الوسطى، ولاسيما المؤرخون والجغرافيون منهم، كلمات وتعابير خاصة بالصناعة والهندسة والألبسة والطبخ والتجارة والملاحة لا يمكن العثور على معانيها في أكمل القواميس العربية وأكبرها، ولكن كثيرًا ما تكون هذه الكلمات باقية في لغة من اللغات العامية التي كانت السبب في حفظها وعدم ضياعها.
ثانيًا: فائدتها في التاريخ: إن في المقابلة بين لغات عامية مختلفة يتكلمها سكان مناطق مختلفة في بلاد واحدة أو في بلاد متعددة، ما يمكن معه الوصول إلى نتائج مفيدة في درس
1 / 50