الحقيقيون. وإذا قلنا المربون الحديثون فلكي نوضح الفرق الكبير بين تربية القرن العشرين والقرون الغابرة. أن الذين يعنون بتربية الأطفال في عصرنا الحاضر ناقمون على أسلافهم نقمة كبيرة وكتاباتهم ومؤلفاتهم جميعًا ملأى بالحط من تلك الخطط القديمة ووصفهم لها بالثوب البالي الذي يجب خلعه واستبداله بالثوب الزاهي الجديد. وإذا سكت فلا أستطيع السكوت عن تلك الكلمات التي لا يزال صداها يرن في آذان المربين والمربيات تلك الكلمات التي فاه لها دوهمال ذلك الكاتب الطائر الشهرة الذي مثل في أحد مؤلفاته أولاده والطريقة التي يتبعها في تربيتهم فقد دافع عن عقيدته في مؤتمر تربية البنين الذي عقد سنة ١٩٢٤ في باريس قائلًا: قليلون بيننا هم الذين يرغبون في أن يعودا إلى طفولتهم الأولى مشيرًا بذلك إلى ما كان يقاسيه أولئك الأطفال في العصر الغابر من عنف مربيهم. فإذا نحن عددنا كلامه غلوًا ولم نقض على تلك الطرق القديمة القضاء المبرم لأن عددًا لا يستهان به من النوابغ قد أنجبتهم تلك القرون ولا يعود الفضل في نبوغهم إلا إلى تربيتهم فلا نتمالك عن الإقرار بأن بين التربيتين القديمة والحديثة هوة كبيرة وبونًا شاسعًا. فإن في تلك ذرة من الحسن تحف بها الأشواك وفي هذه كل الحسن والسداد لأنها ترتكز على إنماء غرائز الطفل لا على قتلها فيه منذ نشأته وما النوابغ الذين نبغوا في ما مضى على رأي الكثيرين من المربين الحديثين إلا أشخاص نشأوا على الرغم من فساد الطرق المستعملة في تربيتهم كما نشأ أشخاص أصحاء البنية أقويائها على الرغم من فساد علم الصحة في تلك العصور وجهل طرق المداواة واتقاء الأمراض. فإذا أقررنا بأفضلية التربية الحديثة كان لا بد بنا من وضع برنامج تتمشى عليه هذه التربية وهذا البرنامج هو ما ألمعت إليه في بدء كلامي.
لا أن للتربية أقسامًا ثلاثة: تربية الجسد والعقل والنفس وسأقتصر في كلامي على تربية النفس وحدها لأنها أس التربيتين الأخريين ولأن البحث في تربية الجسد أمر طويل يستحسن الكلام عنه في المجلات الطبية كما أن تربية العقل منوطة بالمعلمين وحدهم وقلما يكون للوالدين شأن فيها.
بيد أن تربية النفس منوط أمرها في الدرجة الأولى بالأبوين ثم بالمعلمين ويجب أن نبتدئ التربية منذ السنة الأولى وفقًا لما قال جان جاك روسو: كما تكيف النباتات بالشذب منذ
1 / 39