ـ[مجلة المقتبس]ـ
أصدرها: محمد بن عبد الرزاق بن محمَّد، كُرْد عَلي (المتوفى: ١٣٧٢هـ)
الأعداد: ٩٦ عددا
[الكتاب مرقم آليا غير موافق للمطبوع، ورقم الجزء هو رقم العدد]
Unknown page
محمد كرد علي علاّمة الشام (١) ١٨٧٦ - ١٩٥٣ [جان الكسان]
من الأيام المشهودة في تاريخ دمشق، يوم الخميس، الثاني من نيسان لعام ثلاثة وخمسين وتسعمائة وألف، عندما خرجت المدينة عن بكرة أبيها لتشيع وتودع علامة الشام محمد كرد علي، حيث ووري الثرى بجوار قبر معاوية بن أبي سفيان مؤسس الدولة الأموية، ليقف على القبر الأديب العالم الدكتور منير العجلاني يودعه بكلمة رثاء بليغة قال فيها: "إن ثمة إمارتين معقودتين في العالم العربي: إمارة الشعر، وكانت معقودة اللواء للمرحوم أحمد شوقي، وإمارة العلم وكانت معقودة اللواء لفقيدنا العلامة محمد كرد علي" ...
كانت كلمة إنصاف للراحل الكبير إذ يندر أن نجد بين أعلام العلم والأدب والبحث والمعرفة والترجمة في الوطن العربي. في القرنين التاسع عشر والعشرين من يتميز بمثل هذا التفرد الذي كان عليه علامة الشام محمد كرد علي، وقد أغنى المكتبة العربية بنتاجه الغزير من كتب مترجمة ومعربة وموضوعة، ومن أدب المقالة، والدراسات التاريخية والأدبية، وتحقيق الكتب والمخطوطات، كما كان أول رئيس لمجمع اللغة العربية في دمشق، الذي كان بدوره أول مجمع علمي عربي (أنشئ عام ١٩١٩) في البلاد العربية حيث أطلق عليه (أبو المجامع) اعترافًا بأسبقيته من الناحية التاريخية (٢).
_________
(١) - الدراسة الفائزة بالجائزة الأولى مناصفة في المسابقة التي أعلنتها "الموقف الأدبي" عام /٢٠٠٢/.
(٢) - كانت تجربة مجمع دمشق حافزًا لقيام مجامع في بقية الأقطار العربية، فأسس مجمع القاهرة عام ١٩٣٢، والمجمع العراقي عام ١٩٤٧، ومجمع الأردن في وقت لاحق.
1 / 1
وقد شاعت سيرة محمد كرد علي في أوساط الباحثين والمثقفين ورواد المعرفة، ولكن التعريف بنتاجه الغزير ظل دون المأمول، بل ظل محصورًا بين نخبة قليلة منهم، علمًا أن الكتب والمؤلفات والمجلدات التي تركها، والتي يصل عددها إلى اثنين وعشرين مؤلفًا بحاجة إلى من ينفض الغبار عن أكثرها ويعيد طرحه أمام الجيل الجديد للتعريف بهذا الجهد الخارق الذي بذله صاحب هذه المؤلفات على مدى أكثر من ستين عامًا قضاها في العطاء الفكري، منذ أن كان يافعًا في الثالثة عشرة من عمره.
تراث ضخم بجميع المقاييس
وفي بعض جوانب سيرة العلامة الكبير أن أحد المستشرقين وقف مرة أمام التراث المطبوع للعلامة محمد كرد علي وسأل مرافقيه: "هل حاول أحد جمع عدد الصفحات التي كتبها الرئيس الراحل؟ "
ولما أجيب بالنفي، قرر هو أن يقوم بهذه المهمة، فكانت النتيجة أن مجموع صفحات كتبه المطبوعة بلغ عشرة آلاف ومئتين وأربعًا وخمسين صفحة، عدا مجلة (المقتبس) التي أصدرها في تسعة مجلدات وبلغ عدد صفحاتها ستة آلاف وأربعمائة وسبعًا وستين صفحة وكذلك جريدة (المقتبس) التي أصدرها يومية وشهرية لعدة سنوات.
1 / 2
أمام هذا التراث لا نستطيع أن نعتمد مقاييس الكم والكيف إلا ونجد أنهما متكاملان، فما أعطى الراحل الكريم عطاءً مرتجلًا، ولا كتب في أمور لم ينقص حتى أدق خصائصها وهو في هذا يقول (١): "وأهم ما أولعت بمطالعته بعد درس المطبوع من كتب الأدب العربي وجانب من المخطوط الذي عثرت عليه، كتب الفلاسفة وعلماء الاجتماع وأحوال الشعوب ومدنياتهم وطالعت بالفرنسية أهم ما كتبه فولتير وروسو ومونتسكيو وبنتام وسبنسر، ونوليه، وتين، ورنان، وسيمون، وتدارست المجلات الفلسفية والاجتماعية والتاريخية والأدبية باللغة الإفرنجية، وجريت منذ نشأت على قاعدة مطردة لم أتخلف عنها قيد شبر وهي أن أقرأ أكثر مما أكتب، وقلّما دونت موضوعًا لم أدرسه، في الجملة ولم تتشربه نفسي" (٢).
موهبة واعدة ومبكرة
وحتى نقف على المراحل التي كونت الأبعاد الفكرية لهذه الشخصية التي تتميز بكثير من صفات التفرد، لابد من استطلاع المحطات الأساسية في السيرة الحياتية والعلمية والثقافية لها، خاصة وإن جميع الدراسات التي وضعت عنها أشارت إلى أهمية الوقوف أمام المحطة الأولى، محطة ظهور الموهبة الواعدة لدى الشاب اليافع محمد كرد علي في وقت مبكر، وبالتحديد في الثالثة عشرة من عمره ... فقد كانت ولادته في دمشق سنة ست وسبعين وثمانمائة وألف للميلاد أي في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر، والمنطقة العربية ترزح تحت نير الحكم العثماني حيث لا مدارس ولا معاهد ولا جامعات، بل كتاتيب صغيرة يتعلم فيها الأطفال القرآن الكريم وبعض فرائض الصلاة والصوم، باستثناء عدد محدود من المدارس ليس متيسرًا لأبناء عامة الشعب (٣).
_________
(١) - المذكرات - أربعة أجزاء.
(٢) - المصدر السابق.
(٣) - عبد الغني العطري - كتاب (عبقريات شامية).
1 / 3
كانت الموهبة المبكرة لمحمد كرد علي هي التي فرضت نفسها على الجميع، وبخاصة على الأهل، وكان لابد من السعي لإرساله إلى إحدى المدارس الحكومية، حيث تلقى تعليمه الابتدائي ومبادئ اللغة الفرنسية على يد معلم خاص، ثم دخل المدرسة العازارية وتتلمذ على يدي الشيخ طاهر الجزائري، وكان يدعى كبير معلمي العصر وعنه أخذ العلم وحب العربية وعلومها وآدابها (١).
بين الأدب والصحافة
تعلق محمد كرد علي بالصحافة، وأحبها حتى العشق، فجمع بين الأدب والصحافة، وكان في كليهما مجليًا، ففي مجال الأدب كان يقرأ ما يستطيع الحصول عليه، وهو في الثالثة عشرة.
يسهر حتى الهزيع الثاني من الليل، وهو يقرأ في جريدة أو كتاب، حتى ضعف بصره، وساءت صحته، ونصح له الأهل والصحب بالاعتدال. ولكنه رفض هذا النصح، ولم يكن ليترك القراءة، إلا حين يطفئ أهله مصباح الزيت، الذي كان الناس يستضيئون به يوم ذاك.
كان منظر الكتب يغريه ويفتنه، ورؤية الصحف تسكره، وتسحره، فيندفع يغبّ من ألوان المعرفة، ويعبّ من بحور العلم.
كان إذا رأى عالمًا أو أستاذًا، تمنى أن يصادقه، وحلم في أعماقه، أن يكون في المستقبل مثله.
وشجعه أبوه - رغم أميته - على اقتناء الكتب، وقدم له المساعدة الكافية على الفوز بها، فكانت الكتب ثروته الحقيقية.
وحين اشتد ساعده بالعلم واللغة، أخذ يقرأ الصحف والمجلات بالفرنسية والتركية والعربية، فزادته المطالعة تعلقًا بالصحافة، وعشقًا للمعرفة والعلم.
وعندما كان يحبو نحو السادسة عشرة، كان يكتب الأخبار والمقالات، ويدفع بها إلى الصحف.
ولم تقف هواياته عند هذا الحد، بل أحب الشعر العربي، والسجع المنمق، وعكف على شيوخه - كما يقول الدكتور سامي الدهان - "وأخذ ينهل من علمهم وأدبهم، وهم من مشهوري عصره في بلده، أمثال: سليم البخاري، والشيخ محمد المبارك، والشيخ طاهر الجزائري".
_________
(١) - عبد الغني العطري - حديث العبقريات - دار البشائر.
1 / 4
وتلاقت ثقافة القديم والجديد في نفس الفتى، فأحب الكتب الصفر القديمة، ذات الهوامش والتعليقات والشروح الكثيرة، وعشق الصحف والمجلات الأجنبية، التي تحمل أنباء العلم، على شاطئ البوسفور والسين.
جمع محمد كرد علي المجد من أطرافه، فعاش في مدرسة الثانوية، ينهل من العربية على أيدي شيوخه، ودرس في "العازارية" فنون العلم ... ومن أجل ذلك قيل أن علاّمتنا العظيم سبق عصره.
وفي العام ١٨٩٧، كانت تصدر في دمشق جريدة تدعى "الشام" لصاحبها مصطفى الشقللي، وهو مدير مطبعة الولاية، ومدير إطفاء الحريق، فعهد إليه أمر تحريرها.
ولبث يحرر "الشام" ثلاث سنوات، وأخذ بعدها يراسل مجلة "المقتطف" المصرية، فانتقلت شهرته إلى مصر بعد الشام، وذاع صيته في البلدين" (١).
تجربة غنية في الديار المصرية
ورحل محمد كرد علي إلى القاهرة، ولبث فيها شهورًا عشرة، عمل خلالها في صحافتها، وتعرف إلى علمائها، وأدبائها، ورجال الفكر فيها، فاتسع أفقه، وذاع صيته، وباتت شهرته، في مصر، لا تقل عن شهرة أدباء تلك الفترة وعلمائها الأعلام.
وعاد ثانية إلى مصر، وعمل في تحرير بعض الصحف، وأصدر مجلة "المقتبس" الشهرية، ونشر فيها البحوث العلمية والأدبية والتاريخية، وكان ينقل عن مجلات الغرب أحدث أنباء العلم والحضارة والاختراع والتقدم. كما ترجم عددًا من الكتب المخطوطة النادرة، فجمع بين القديم والحديث.
وعاد محمد كرد علي إلى دمشق، وقد لجَّ به الشوق إلى غوطتها وقاسيونها وبرداها. عاد إليها وأصدر "المقتبس" جريدة يومية، بالتعاون مع أخيه أحمد، بعد أن أسس لها مطبعة خاصة. غير أن السلطة العثمانية ضايقته، وحاربته، ولاحقته، وأغلقت جريدته. ولا يلاحق إلا الأحرار، ولا يغلق الصحف، إلاَّ كل عدو للفكر والكلمة الحرة. فاضطر للفرار إلى فرنسا. وفي باريس زار مجمعها العلمي، ووقف في بهوه وسائل نفسه:
_________
(١) - عبقريات شامية - مصدر مذكور.
1 / 5
ـ "هل يكتب لنا في المستقبل تأليف مثل هذه المجامع، فنعمل فرادى ومجتمعين كالغربيين، أم نظل كما نحن، لا نعمل فرادى، ولا مجتمعين؟ ". (١).
أبو المجامع
كانت رحلة باريس بداية إرهاصات موضوع تأسيس المجمع العلمي العربي في خاطر محمد كرد علي. الذي كان سببًا مهمًا في أسباب بعث اليقظة العربية والتراث القومي بثوب لغوي متين وأصيل والعمل على اكتشاف كنوز اللغة العربية التي تكاد تختفي تحت غبار أربعة قرون هي مرحلة الحكم العثماني التي سيطرت فيه العجمة والجهل والجمود، حيث تكاثفت جهود رجال مرحلة التنوير العربي، لإعادة استخدام اللغة العربية في احتياجات الثقافة والعلوم والفنون، وهكذا أصبح مجمع اللغة العربية بدمشق فيما بعد واحدًا من أهم معالم النهضة العلمية العربية في الوطن العربي، ولأنه أول مجمع علمي عربي فقد أطلق عليه "أبو المجامع" فبعد اندحار الحكم العثماني وقيام العهد الفيصلي الهاشمي وجد محمد كرد علي الفرصة سانحة لتحقيق الحلم الذي طالما راوده ألا وهو إنشاء مجمع علمي عربي، على غرار ما تفعله الأمم المتحضرة لحفظ تراثها وصون لغتها ونشر آدابها وعلومها.
وعرض الفكرة على الحاكم العسكري رضا باشا الركابي فوافق على قلب "ديوان المعارف" برئيسه وأعضائه مجمعًا علميًا، وكان كرد علي رئيسًا لهذا الديوان، وقد تم ذلك في الثامن من حزيران عام تسعة عشر وتسعمائة وألف، وظل "الأستاذ الرئيس"، رئيسًا للمجمع حتى رحيله.
مجمع للعرب جميعًا
وكان قيام هذا المجمع حدثًا علميًا أثار اهتمامًا واسعًا في الوطن العربي بدليل أنه استقطب مجموعة من أبرز المفكرين والأدباء والمثقفين العرب وانضم إليه كأعضاء مراسلين: الراحلون عباس محمود العقاد، الدكتور طه حسين، الدكتور أحمد زكي، الشاعر، أمين نخلة، محمد الطاهر، فيليب حتي - بن عاشور.
_________
(١) - المصدر السابق.
1 / 6
وفي طليعة أعضائه العاملين الأوائل السادة الأعلام محمد كرد علي، خليل مردم بك، الدكتور حسني سبح، مصطفى الشهابي، الدكتور منير العجلاني، أمجد الطرابلسي.
وفي عداد الأعضاء فيه الدكتور شاكر الفحام، الأستاذ راتب النفاخ، الدكتور شكري فيصل، وبين أعضائه الاوائل الشيخ طاهر الجزائري الشيخ أمين سويد وسعيد الكرمي.
وعقد المجلس أولى جلساته في مقره بمبنى المدرسة العادلية في باب البريد بدمشق، وهي المدرسة التي أنشأها السلطان نور الدين بن زنكي الملقب بالشهيد في عام ٥٨٦ للهجرة، ودفن فيها الملك العادل شقيق السلطان صلاح الدين الأيوبي ولا زال ضريحه قائمًا في هذا المبنى الأثري الهام حتى اليوم.
وفي أولى جلساته اختار المجمع أعضاء شرف من أعلام دمشق منهم: المرحومان الدكتور عبد الرحمن الشهبندر والأستاذ فارس الخوري. (١).
أهداف أساسية
أما الأهداف الأساسية للمجمع فقد حددت كما يلي:
ـ خدمة اللغة العربية والنظر في أوضاعها العصرية، ونشر آدابها وإحياء مخطوطاتها وتعريب ما ينقصها من كتب العلوم والصناعات والفنون عن اللغات الأوروبية، وتأليف ما تحتاج إليه من الكتب.
ـ جمع الكتب مخطوطة ومطبوعة وتأسيس دار كتب عامة.
ـ جمع الآثار القديمة.
ـ إصدار مجلة خاصة بالمجمع ينشر فيها أفكاره وأعماله.
_________
(١) - وجيه الشربجي: أضواء على تاريخ مجمع اللغة العربية بدمشق - مجلة (الدوحة) - مارس - آذار - ١٩٨٢.
1 / 7
وكان ينشط في الجامعات ودوائر الدولة والصحف والمدارس والثقافة الشعبية، حيث كان يتقصى الخطأ ويطالب بتجنبه عن طريق وضع الكلمة العربية الفصحى مكان الكلمة الدخيلة المستعملة، وقام المجمع بتهيئة المصطلحات الإدارية عن طريق الترجمة والوضع والتعريب، وترجم بعض القوانين، وعرب أسماء الرتب والألقاب، وعمد إلى تدقيق وتصحيح لغة الكتب المدرسية، ونظم سلسلة من المحاضرات اللغوية على طلاب المدار س ودور المعلمين، وحمل الدولة والمجتمع على تبديل الكثير من المصطلحات التركية والأجنبية مثل (البوليس - الشرطة)، (نوبتجي - آذن أو بواب)، (نوم رو - رقم)، (رابور - تقريرطبي)، (بول - طابع) وذلك على سبيل المثال لا الحصر.
ولم ينفرد المجمع بالعمل في وضع المصطلحات الحديثة بل كان دائبًا على الاتصال بالعلماء الاختصاصيين في الوطن العربي للتعاون معهم في هذا المجال والاستفادة من خبراتهم، وتسنى له أيضًا اجتذاب نخبة من العلماء الشرقيين والغربيين منهم الأساتذة جبرايلي (إيطاليا)، وغوفر (إسبانيا)، ويدرسن (دانيمرك) دريدرنغ (السويد)، اربدي (بريطانيا) علي أصفر حكمت (إيران) كولان (فرنسا) أبو الحسن علي الحسني الندوي (الهند). وعلى الصعيد الشعبي نشط المجمع لمكافحة العجمة، واللحن، وعمل على نشر المصطلحات العربية بين الناس لتحل محل المصطلحات الأجنبية المستخدمة، وألقيت المحاضرات لخدمة هذا الهدف، كما كانت مجلة المجمع همزة الوصل بينه وبين آلاف القراء، تنشر أعماله وتعبر عن إنتاجه وآرائه.
1 / 8
وقد سميت المجلة منذ صدورها باسم المجمع (مجلة المجمع العلمي العربي)، ولما أصبح اسم المجمع (مجمع اللغة العربية بدمشق) سميت (مجلة مجمع اللغة العربية) وكانت تصدر في سنتها الأولى عددًا واحدًا في /٣٢/ صفحة كل شهر، ثم أصبحت المجلة تصدر أربعة أجزاء في السنة الواحدة، إضافة إلى الأعداد الخاصة التي تتصل بمناسبات علمية، ويطبع المجمع مجلدات من أعداد المجلة التي نفدت.
بين الترجمة والمقالة والدراسة والتحقيق
من خلال استعراض التراث الذي خلفه العلامة الكبير، ولتسهيل عملية دراسته يمكننا أن نقسم هذا التراث إلى أربعة أقسام رئيسية هي:
ـ الترجمة والتعريب.
ـ أدب المقالة.
ـ الدراسات الأدبية والتاريخية.
ـ تحقيق الكتب والمخطوطات (١).
أما عن المترجم والمعرب من آثاره فقد بدأ بترجمة روايات عن الفرنسية. ومن هذه الروايات (قبعة اليهودي ليفمان) التي أثارت ضجة بين النقاد عام ١٨٩٤، وفي مصر ترجم (الفضيلة والرذيلة) لجورج اونيه الكاتب الفرنسي المعاصر، وكذلك رواية (المجرم البريء)، كما عرب تاريخ الحضارة لشارل سنيوبوس ... وقد كانت ترجمته لها من قبيل التمرن على الترجمة، وهي لا تعجبه، حتى أنه كتب عن الأولى يقول: (ياليتني نبذتها في زنبيل سقط المتاع) ....
كما عرب الأستاذ كرد علي كتبًا أخرى في الحرية عن جون سيمون، وترجم الأسماء التركية لرضا الباشا ... ورغمًا عن كل الجهود التي بذلها في تعريب الآثار فإنه يهمل في حديثه ما وقع من قلمه في الترجمة، وفي هذا يقول: (.... وليس لي يد في القصص التي نشرتها أول أمري لأنها مترجمة). (٢).
_________
(١) - مجموع الكتب التي تضم هذا التراث اثنان وعشرون كتابًا.
(٢) - المذكرات.
1 / 9
وفي آداب المقالة أصدر محمد كرد علي في أدب المقالة ستة مؤلفات قيمة مختلفة، وقد فعل كما فعل كثيرون من الكتاب في مصر كالعقاد والزيات والرافعي والمازني فجمع مقالاته التي نشرها في الصحف اليومية والأسبوعية بمصر والشام، وطبعها في كتب بدأها بكتاب (غرائب الغرب). الذي نشر عام ١٩٢٣ وجمع فيه وصف رحلاته الثلاثة إلى أوروبا، أما مقالاته التي نشرها في "المقتطف" و"المقتبس"، و"المؤيد" و"الظاهر" فقد جمعها في كتاب (القديم والحديث)، وهو فيها محدث عن العادات والآداب والتقاليد.
وكان محمد كرد علي من المنادين بالإصلاح الخلقي .. وقد كتب في هذا مقالات عديدة جمع أهمها عام ١٩٤٦ في كتاب (أقوالنا وأفعالنا) وقد انتقد الأخطاء وأعرب عن سوءات العيوب ونادى إلى سبيل قويم.
ولما كانت حياة محمد كرد علي حافلة، فقد دونها في مذكرات مهمة عن تنقلاته بين الشرق والغرب، وجمع هذا كله في مؤلفه الذي سماه المذكرات (١)، والذي طبع بين عامي (١٩٤٨ - ١٩٥١) ... ومذكرات كرد علي صريحة صادقة، وانقسم الناس أمامها إلى قسمين: محبذ ومستنكر، واعتبرها فريق آخر تتمة لمؤلفه الكبير (خطط الشام)، وقد ظل يكتب مذكراته حتى آخر أيامه ذلك لأنه وعد ألا ينثني عنها، ويتابع فيقول: (مادمت أتمكن من مسك القلم وأصبر على التحديق في الخطوط التي أخطها). أما كتاباه الأخيران (البعثة العلمية إلى دار الخلافة الإسلامية)، و(الرحلة الأنورية إلى الأصقاع الحجازية)، فقد أملتهما عليه بعض الظروف وهما لا يرتفعان إلى مستوى أدبه الإبداعي.
_________
(١) - المصدر السابق.
1 / 10
أما القسم الثالث، الدراسات التاريخية والأدبية فأهم ما في عطاء محمد كرد علي، وهي كتب قيمة لا تزال مرجعًا في مواضيعها. وأشهر هذه المؤلفات خطط الشام ... عمل من أجلها خمسًا وعشرين سنة، وأنفق آلاف الليرات الذهبية، وقام بعشرات الأسفار وطالع أكثر من ألف ومائتي مجلد بعدة لغات ... وأصدر المؤلف في ستة أجزاء بحث فيها تاريخ الشام ونظمه الإسلامية والحضارة المتعاقبة فيه، والدول التي حكمت خلاله والحالة الأدبية والاقتصادية خلال هذه الحقب.
أما الكتاب الثاني في مجال الدراسة التاريخية الأدبية فهو (الإسلام والحضارة العربية) الذي نشره عام ١٩٣٤ واستوحى مواضيعه من آراء المستشرقين ومؤتمراتهم، أما في كتابه (أمراء البيان) فقد جمع دراسات واسعة عن عشرة من مشاهير أعلام الفكر العربي كعبد الحميد الكاتب وابن المقفع، وسهل بن هارون، وعمرو بن سعدة، وإبراهيم الصولي، وأحمد بن يوسف الكاتب، ومحمد بن عبد الملك الزيات، والجاحظ، والتوحيدي، وابن العميد، وما يزال هذا الكتاب أوسع ما كتب عن هؤلاء الأعلام باللغة العربية.
أما في (كنوز الأجداد)، فقد تحدث عن الأعلام أيضًا، وفيهم سدنة الثقافة الإسلامية، كالأشعري، والأصبهاني، والتنوخي، والغزالي، والحريري وغيرهم، وهم يزيدون عددًا عن الخمسين ...
وكان محمد كرد علي يحب غوطة دمشق كثيرًا حتى أنه عاش في قرية منها اسمها (جسرين)، وقد درس أهلها، وعاداتهم، وتقاليدهم وسجل كل شيء عنها.
ثم أرخ لها على منهاج لطيف في كتابه (غوطة دمشق)، الذي كتبه بعاطفة الحب وشوق الورود وإخلاص الشاعر الوفي ...
1 / 11
ونأتي إلى القسم الرابع والأخير ألا وهو تحقيق الكتب، وقد حقق كرد علي عددًا من نفائسها، كـ"رسائل البلغاء" و"سيرة أحمد بن طولون". و"المستجاد من فعلات الأجواد" الذي ضمنه أخبار الكرماء في الجاهلية والإسلام، ثم "تاريخ حكماء الإسلام"، وكتاب "الأشربة" لابن قتيبة الذي يجمع بين الأدب والفقه، وأخيرًا كتاب (البيزرة) في الصيد وآلاته والحيوانات وإخراجها وما قيل فيها من الأدب والطرف والشعر اللطيف.
وفي هذا المجال نشير إلى حكاية حول دور الأستاذ الرئيس محمد كرد علي في موضوع تحقيق رحلة "ابن فضلان" وهي من أشهر الرحلات القديمة في التاريخ العربي ويروي الحكاية محقق رسالة الرحلة الدكتور سامي الدهان الذي يقول:
"من المؤسف أن المستشرقين والباحثين الأجانب بدؤوا اهتمامهم بهذه الرحلة وبرسالة صاحبها قبل الباحثين والمحققين العرب، وقد كان للعلامة محمد كرد علي "أول رئيس لأول مجمع عربي" فضل كبير في إصراره على وجوب تحقيق هذه الرسالة بعد أن اطلع في مجلة هنغارية صدرت في بودابست على مقالة لأحد المستشرقين مكتوبة باللغة الألمانية يعلق فيها على ما نشر، أو ترجم من الرحلة، يصحح ما يرى من وجوه التصحيح ويقترح روايات جديدة مشيرًا في ذلك إلى نص الرحلة باللغة العربية، وقد أثبته في صور شمسية مع المقال.
1 / 12
ويتابع الدكتور سامي الدهان: كنت أزور الأستاذ الرئيس فاقترح علي تحقيق الرسالة لأهميتها، ولحاجة المثقفين العرب إلى قراءتها وفهمها، واستخراج العبر منها خاصة وأنها تصف بلاد الروس والبلغار والأتراك في القرن العاشر للميلاد، وهذا دليل على الاهتمام الكبير الذي كان يوليه العلامة محمد كرد علي لمثل هذه المواضيع وعلى سعة اطلاعه ومتابعته تراث الأسلاف في أكثر من مكان وأكثر من مصدر وفي جميع ما نقرأ للعلامة الكبير نجد أن محمد كرد علي كان قائدًا فكريًا عظيمًا بين مفكري القرن العشرين، فهو إمام في الصحافة، وحجة في التحقيق، وعلم في الكتابة والتأليف، ورئيس جليل لأكبر منظمة علمية ثقافية في البلاد.
وفي جميع ما نكتب نجد أنه يبتعد عن تكلف النسج على المنوال التقليدي، وكتبه تشير إلى عزوفه عن الأسلوب المنمق وكتابة السجع، وفي هذا يقول: (... وعمدت إلى الكتابة المرسلة بدون تكلف الأسجاع والازدواج) ..
ولأسلوبه صفات أخرى واضحة فهو رقيق من غير تفخيم، سهل من غير تكلف، يحدث صاحبه حديث الراوي والقاص، ويكتب كتابة المحدث، فلا يزاوج بين الجمل، ولا يتكلف الكتابة والاستعارة والسجع والجناس، إنما يرسل نفسه على سجيتها في جمل تطول وتقصر، على أن الصفة الغالبة على مقالات وكتابات الأستاذ كرد علي هي الاستقصاء فهو يسترسل في ذكر المصادر والكتب والمؤلفين وكأنه يستوعب في فكره كل شيء، أو كأنه يريد أن يذكر كل ما يعلم فيتدفق بفيض غزير وعلم كثير، ذلك أنه يندر أن نجد مفكرًا عربيًا معاصرًا طالع ما طالع محمد كرد علي من تراث الأسلاف، حتى يظن الذي يدرس سيرته أن علمه نوع من الإعجاز الذي لا يستطيع أن يؤديه الإنسان العادي.
1 / 13
أما أسلوبه، فهو الذي وصفوه بالسهل الممتنع ... إنه رقيق في التعبير، بليغ باللفظ، الكلمات فيه على قدر المعاني، والجمل تطول حينًا، وتقصر حينًا آخر، وهو في جميع الأحوال لا يتكلف، ولا يتصنع، بل يرسل كلماته على سجيتها، ويهدف إلى التركيز على المعنى، دون أن يعطي كبير اهتمام للمبنى، إنه نثر العالم المفكر، لا الأديب الذي تغريه الصنعة، ويسيطر عليه الأسلوب والمظهر.
ويتجلى أسلوبه هذا، في جميع كتبه ومقالاته ... غير أن القلم يجمح به أحيانًا، فيشتط الخيال، ويطيب له أن يعنى بالصنعة والعبارة، فيكثف جمله وعباراته، ويختصر في ألفاظه وكلماته. ومثل هذا فعله في كتابه "المذكرات" ولاسيما حين يتحدث عن الشباب، ويصف الشيخوخة، ويتوقع الرحيل، فيحاسب نفسه دون هوادة. لنستمع إليه يقول:
"يا نفس لا تغضبي، ولا تعتبي، فقد عمرت طويلًا، ومتعت كثيرًا، وفتنت بجمال الوجود، وجلال الطبيعة، وهمت بصنع الخالق والمخلوق، واستكثرت من الخلان والمعارف، وسعدت، إذ كنت أقرب إلى التفاؤل من التشاؤم، وإلى الرجاء أدنى من القنوط، وإلى السرور أكثر من الغم. وعشت في سلطان الرضا طيبة الطعمة، لا يد لأحد عندك".
شخصية منفردة
تضافرت عدة معطيات في تكوين شخصية محمد كرد علي بهذا التميز، وكان للزمان والمكان بدورهما تأثير فعال في تشكيلها على هذه الحال من التفرد، فقد جاء إلى الدنيا في فترة كانت فيها البلاد العربية، وخاصة بلاد الشام ترزح تحت نير الاحتلال العثماني الذي فُرض عليها، بحيث كان الشرق العربي في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر غارقًا في بحر من الظلم والظلام.
وكانت سياسة التتريك المفروضة على العرب، تجعل من يتقن الكتابة والقراءة باللغة العربية إنسانًا ذا شأن، ومن هنا انصرف محمد كرد علي إلى القراءة والكتابة في سن مبكرة كان أولى بدايات تكوين شخصيته المتفردة ... وعن تلك المرحلة يقول:
1 / 14
"بدأت أقرأ في الجرائد العربية في الثالثة عشرة من عمري، وأنا في السنة الأخيرة من المدرسة الابتدائية. وبعد حين اشتركت بجريدتين. وأولعت بمطالعة "لسان الحال"، لأن فيها أخبارًا طريفة مغرية عن الإنكليزية. واشتركت لما كنت في الثانية من المدرسة الثانوية بجريدة فرنسية أسبوعية تصدر في باريس اسمها "صديق الريف" فكنت أقرؤها قراءة تدبر، لا قراءة تفكه، وأطالع بعض الصحف التركية الصادرة عن الأستانة، ولاسيما المجلات الأدبية والتاريخية. وقد أقرأ بعض المقالات التي تروقني أكثر من مرة، ولاسيما مقالات كبار الكتاب والمفكرين في السياسة والاجتماع. وما بلغت السادسة عشرة، حتى أخذت أكتب أخبارًا ومقالات في الجرائد" (١).
ولم يكن ظهور مجموعة كبيرة من رجال الفكر والأدب والمعرفة في الثلث الأخير من القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، مجرد مصادفة، فقد لعب هؤلاء الرواد دورًا قياديًا في مجابهة الظلم والاحتلال، والدعوة إلى التحرر والاستقلال في مرحلة عرفت بأنها مرحلة إرهاصات لمرحلة تالية هي مرحلة التنوير، وقد كان لانتساب هؤلاء الرواد إلى مختلف الجمعيات التي كانت تعمل في السر والعلن، ما أعطى تلك الجمعيات القدرة على المجابهة على الرغم مما تعرضت له من بطش واضطهاد كانت ذروتهما في سوق المفكرين العرب الأحرار إلى المشانق في دمشق وبيروت، بالإضافة إلى قوافل أخرى سابقة تعرضت للاعتقال والتعذيب والإغراق في البوسفور.
_________
(١) - عبقريات شامية - مصدر مذكور.
1 / 15
وإذا كانت القرون الأربعة التي فرضها الاحتلال العثماني على المنطقة العربية قد اقترنت بمحاولات قمعية لإطفاء جذوة القومية العربية، فإن الرواد من قادة الفكر العرب كانوا يؤسسون لمرحلة الاستقلال عن النير العثماني، بإحياء أصول اللغة والتاريخ واستطلاع التراث، ولعل مساهمة محمد كرد علي كانت متميزة في هذا المجال من خلال الخطوة الجبارة التي حققها مع انتهاء الحكم العثماني، وهي إنشاء مجمع اللغة العربية الذي وقفنا على أهدافه الأساسية في هذه الدراسة عن حياة وعطاء العلامة الكبير ولم يكتفِ بتأسيس المجمع ومجلته التي كان كتابها من أبرز علماء وأدباء الوطن العربي بل تحققت في هذا المجال خطوات لاحقة مهمة منها:
١ - تفرغ أعضاء المجمع للبحث الأدبي والدراسات اللغوية والتاريخية.
٢ - تأسيس دار كتب عامة في المدرسة الظاهرية، فاتخذ منها دارًا للكتب، أصبحت فيما بعد ذات شهرة كبيرة نظرًا لأهمية ثروتها من المخطوطات وأمهات الكتب والوثائق، وقد ظلت دار الكتب الظاهرية تؤدي رسالتها في إتاحة مجال مطالعة أهم المؤلفات. أمام كل متعطش للثقافة.
وقد أنشأ الملك الظاهر بيبرس عام /٨٢٠/ للهجرة هذه المدرسة لتكون مدرسة للعلم وتربة تضم رفاته، وفي عام ١٩٢٧ تحولت المدرسة الظاهرية إلى مدرسة ابتدائية وظلت في عهدة دائرة الأوقاف ثم ألحقت بالمجمع.
وكان فريق من علماء دمشق لاحظوا تفرق المخطوطات والكتب في المساجد وتعرضها للضياع، فقاموا بحملة لجمع ما تبقى منها، وماهو هام جدًا، وثمين وأودعت في خزانة داخل قبة المدرسة الظاهرية، وكانت نواة دار الكتب الحالية. (١).
٣ - حقق مجمع اللغة العربية مئات المخطوطات (وهي كتب ورسائل) من التراث ومن هذه المطبوعات:
_________
(١) - وجيه الشربجي: أضواء على تاريخ مجمع اللغة العربية - مصدر مذكور.
1 / 16
"رسالة الملائكة " لأبي العلاء المعري - "ديوان علي بن الجهم" - "عثرات اللسان" للأستاذ عبد القادر المغربي - "كنوز الأجداد" للأستاذ محمد كرد علي - "تاريخ علم الفلك في العراق" - "الثقافة الإسلامية في الهند" - "تراجم الأعيان من أنباء الزمان" - "كتاب الأضداد لأبي الطيب اللغوي" - "أخطاء شائعة في ألفاظ العلوم الزراعية والنباتية" - "سؤال في يزيد بن معاوية لابن تيمية" - "معجم المصطلحات الأثرية باللغتين العربية والافرنسية" - "المعاصرون" - "ديوان الفرزدق" - "تاريخ حكماء الإسلام" - "تاريخ الخلفاء".
وشرع المجمع منذ سنوات عديدة، بتحقيق "تاريخ ابن عساكر" وهو مؤلف تاريخي ضخم عن تاريخ دمشق يتألف من ثمانين مجلدًا ضخمًا. (١).
سيرة حافلة
يندر أن نجد بين الذين عملوا في مجال البحث والدراسة شخصية تتمتع بمثل هذا النشاط الخارق الذي كان يتمتع به العلامة محمد كرد علي ... كان دؤوبًا في العمل لدرجة مذهلة، يعمل أحيانًا ثماني عشرة ساعة في اليوم، كان حركة دائمة بلا ملل أو فتور، في الإدارة، وفي الكتابة والتأليف، وظل طوال حياته يتمتع بهذا النشاط ومثل هذه القدرة على العطاء فكانت حياته في هذا الميدان سيرة حافلة إذ جمع بين الصحافة والجامعة، والوزارة، والمجمع العلمي العربي، والمجمع اللغوي في مصر ...
شغل محمد كرد علي عددًا من المناصب الحكومية الرفيعة فقد عين وزيرًا للمعارف في وزارة جميل الألشي. وكان ذلك في السادس من أيلول ١٩٢٠ لغاية الأول من كانون الأول ١٩٢٠.
عقب تخليه عن وزارة المعارف عام ١٩٢٠ أسندت إليه مهمة مدير المعارف، واستمر في هذا المنصب لغاية ٣١ كانون الأول ١٩٢٤.
عين وزيرًا للمعارف للمرة الثانية في حكومة الشيخ تاج الدين الحسيني، من ١٥ شباط ١٩٢٨ لغاية ١٩ تشرين الثاني ١٩٣١.
وفي عام ١٩٣٣ انتخب عضوًا في مجمع اللغة العربية بالقاهرة.
_________
(١) - المصدر السابق.
1 / 17
ويقف محمد كرد علي في المكانة العلمية والأدبية بين أنداده الأعلام العرب أمثال طه حسين وعباس محمود العقاد ومحمد عبده وغيرهم ... وقد مثل سورية في مهرجان مبايعة أحمد شوقي بإمارة الشعر وكانت له مكانة متميزة في مصر.
التنوع والتميز
وقف الباحثون طويلًا أمام طبيعة هذا التنوع الكبير الذي اشتمل عليه نتاج العلامة محمد كرد علي والذي لم يسبقه إليه أحد من الدارسين والباحثين العرب، كما لم يعقبه أحد بهذا التميز.
فمن مواضيع التراث والتاريخ، إلى الدراسات الإسلامية، إلى دراسة المدن، إلى وصف غوطة دمشق، أو عدة الصيد وآلاته، بالإضافة إلى خطط الشام وترجمة الأعلام والمذكرات.
وحتى نقف على أهمية وغنى هذا التنوع في نتاج العلامة الكبير، نقف بنوع من التعريف المكثف مع كتبه الاثنين والعشرين ولعل كثيرين من الذين تغيب عنهم سير مثل هؤلاء الأعلام لا يعرفون عنها إلا النزر القليل، ولا بد من تذكير الأجيال الجديدة مثل هذه العطاءات التي توثق وتؤرخ القضايا ومراحل من تاريخ هذه الأمة، في الماضي البعيد والقريب، وكم من الذين تركبهم الحيرة في البحث عن مراجع لبعض الدراسات لا يعرفون أن ما خلفه العالم الكبير يمكن أن يكون ذا فائدة كبيرة في هذا المجال، خاصة وأنه بذل جهودًا كبيرة في الاستطلاع والتقصي فجاءت دراساته دقيقة وشاملة ...
١ - "غرائب الغرب" - صدر في حزيران من عام ١٩٢٣ يتحدث فيها عن رحلاته إلى أوروبا، بعيدًا عن نموذج الكتابات السياحية التي يضعها البعض عن مظاهر سطحية في بلاد الغرب ... فهذا الكتاب يضع أمام القارئ دراسة دقيقة عن واقع الغرب الأوروبي في تلك المرحلة المبكرة من القرن العشرين.
٢ - "غابر الأندلس وحاضرها"، صدر عام ١٩٢٣ ويوحي عنوان الكتاب بأهميته.
1 / 18
٣ - "خطط الشام"، في ستة أجزاء صدرت بين عامي (١٩٢٥ - ١٩٢٨)، ولعلها أهم ما كتب عن بلاد الشام بعد ما كتبه ابن عساكر عن الشام، وهي المرجع الرئيس لمن يريد الاطلاع الواسع على تفاصيل تاريخ وواقع بلاد الشام.
٤ - "ثلاث سنوات من حكم سورية" - صدر عام ١٩٣١.
٥ - "الإسلام والحضارة العربية" - جزءان صدر عام ١٩٣٦.
٦ - دمشق - مدينة السحر والشعر"ـ صدر عام ١٩٥٢.
٧ - "الإدارة الإسلامية في عز العرب" - صدر عام ١٩٣٤.
٨ - "أمراء البيان" - جزءان (١٩٣٧ـ١٩٦٩).
٩ - "كنوز الأجداد" - ١٩٥٠.
١٠ - "أقوالنا وأفعالنا" - ١٩٤٦.
١١ - "القديم والحديث" - مجموعة مقالات ١٩٢٥.
١٢ - "غوطة دمشق" - (١٩٤٩ - ١٩٥٢).
١٣ - "رسائل البلغاء" - ١٩٤٦.
١٤ - "سيرة أحمد بن طولون" (تحقيق) - ١٩٣٩.
١٥ - "المستجاد من فعلات الأجواد" (تحقيق) ١٩٤٦.
١٦ - "كتاب الأشربة، لابن قتيبة" (تحقيق) - ١٩٤٧.
١٧ - "البيزرة" (في الصيد وآلاته) - ١٩٥٣.
١٨ - "الحكومة المصرية في الشام" - محاضرة ١٩٢٥.
١٩ - "ترجمة شيخ الإسلام ابن تيمية".
٢٠ - "رسائل عبد الحميد بن يحيى الكاتب".
٢١ - "أبو الطيب المتنبي" - ١٩٢١.
٢٢ - المذكرات - أربعة أجزاء ١٢٥٠ صفحة - صدرت بين (١٩٤٩ - ١٩٥١).
خطط الشام
وإذا كنا نقف ببعض التفاصيل مع (خطط الشام) فنظرًا لأهمية هذا المؤلف الفريد والشامل عن بلاد الشام، والذي قيل عنه: "لو لم يضع محمد كرد علي غير خطط الشام، لكفاه هذا فخرًا" (١).
تقع "خطط الشام" في ستة أجزاء تضمها ثلاثة مجلدات ضخمة، بحيث يضم كل مجلد جزأين وقد طبعت عدة طبعات، وهي مهداة من المؤلف إلى العلامة أحمد تيمور، الذي اعتبره محمد كرد علي الأهم بعد الشيخ محمد عبده، والشيخ طاهر الجزائري.
_________
(١) - خطط الشام - ستة أجزاء في ثلاثة مجلدات.
1 / 19