108
ورد لبعضهم تلغراف هذا نصه (والتك مريض جيدة) فقام صاحبه وقعد، وبكى واستبكى ووقع في أشد الحيرة ولم يدر أوالدته مريضة أم صحيحة وورد لآخر تلغراف نصه (احضروا مهرة) وصوابه حضر فلان الفلاني ولآخر (قدموا كميه) وصوابه كمأة ولغيره قدموا قازمات وصوابه بقسماط وسئل بعضهم عن سعر العناب فقرأه من التلغراف القناب وظنه القنب فأخبر السائل أن سعر الرطل قرش ٩ فاشتري جملة خسر بها ستين ليرة ولبعضهم (قيصري أحضر كذا) وصوابه (نص أحضر كذا) إلى غير ذلك مما لو أردنا استقصاء لأدى بنا إلى الخروج عن المقصود فثبت بهذا أن القول بأن التلغراف من الأمور اليقينة لا يصح وأن الإدعاء بأنه بنية والبينة ما يبين الأمر ويوضحه في غير محله أيضًا لما علمت ما فيه من الاحتمالات بل قد يكون مغايرًا للحقيقية وقد لا تمكن قراءته البتة على أن دعوى أنه بينة وأنه داخل في كلام ابن القيم غير مسلمة لأن البينة على فرض تسليم كلام ابن القيم ما يبين الأمر ويوضحه لا ما يوجب فيه الشك والالتباس هذا الإمام أحمد الذي كان ابن القيم من اتباعه لم يجوز الشهادة على المرأة حتى ينظر إلى وجهها لاحتمال اشتباه صوتها فكيف نقول أن كلام ابن القيم يشمل التلغراف وفيه ما علمت اللهم علمنا مدارك التأويل وفهمنا أسرار الشرع والتنزيل هذا وليعلم أن إثبات هلال رمضان والشهادة وغيرهما من الأحكام لا يكون بالتشهي (والتطبيق على كثير من الأمور المتجددة في العمران) ولا بالأقيسة الباطلة وغيرها بل بما عليه رسول الله ﷺ وأصحابه فالتساهل في الشهادة وقبولها من أي إنسان كان بل من آلة صماء كالتلغراف غير ما كان عليه رسول الله ﷺ وأصحابه فقد ثبت أن سيدنا عمر وهو من هو في الدين دعا الشهود من الكوفة إلى المدينة ولم يكتف بمجرد الأخبار عنهم مع أنه أقوى من التلغراف وكان في وسعه أن يكاتبهم ويتأكد الخبر عنهم ولكن لما كان أمر الشهادة يجب أن يكون خاليًا من الاحتمالات كما قدمنا عدل ﵁ لإحضارهم إليه المفيد لليقين التام بقي هنا أن الكاتب الفاضل قوي فكره كما قدمنا بنقله حججًا ثمانية قال أنها تفيد صحة العمل بالتلغراف والصحيح غير ذلك لما أن إبلاغ محافظة القاهرة قاضي مصر بأن قاضي مركز الدار حكم بانسلاخ رمضان استنادًا على من راى الهلال ثم وتلقيه أي قاضي مصر تلغرافًا آخر من قاضي محكمة قنا بالمعنى نفسه لا يكون موجبًا لرضائه بذلك وحكمه به

5 / 14